: آخر تحديث

مفاوضات مسقط قد تصنع جيوسياسية جديدة للشرق الأوسط!

9
8
5

 

مع انطلاقة المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران اليوم (السبت) بوساطة عمانية، تكون طهران قد قدمت أولى تنازلاتها أمام التصميم الأميركي لمعالجة المشروع النووي الإيراني، وهو ما ينبئ بحدود قدرات إيران المنهكة إقليمياً.  

فطهران كانت ترفض سابقاً أية مفاوضات مع واشنطن في ظل سياسة (العقوبات القصوى)، وكانت تشترط رفع العقوبات لبدء المفاوضات، وهو ما تنازلت عنه عقب الرسالة الحازمة للرئيس الأميركي ترامب.  

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في 7 آذار (مارس) الماضي أنه بعث برسالة إلى خامنئي أعرب فيها عن رغبته في التفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني بدلاً من اللجوء إلى الخيار العسكري. ووفقاً لما نشره موقع "أكسيوس" في 19 آذار (مارس)، فقد حملت الرسالة نبرة حادة، وحددت مهلة مدتها شهران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، تنتهي في 7 أيار (مايو) المقبل. كما أفادت التقارير بأن ترامب شدد في رسالته على ضرورة تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني وتقليص دعم طهران للجماعات المسلحة في المنطقة.  

في السياق ذاته، أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في 27 آذار (مارس) الماضي أن طهران ردّت على رسالة ترامب "بالشكل المناسب عبر سلطنة عمان"، رغم أن الرسالة الأميركية وصلت لطهران عبر الإمارات.  

ولم يُنشر نص الرد الإيراني رسمياً حتى الآن، إلا أن مصادر صحفية أفادت بأن طهران أكدت في ردها رفض التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي أو دعمها للجماعات المتحالفة معها، أو أي محادثات تتجاوز إطار الاتفاق النووي، ورغبتها بأن تكون المفاوضات غير مباشرة.  

ومثلما قال الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، فقد اتسم الرد الإيراني بضبط النفس، وبالمعنى السياسي خلا من صيغ التحدي والمزايدات السياسية. ويُعتقد أن إيران قد انحنت للعاصفة الأميركية.  

وتعتمد طهران في المفاوضات غير المباشرة سياسة شراء الوقت، وهو ما فطنت له إدارة ترامب. فالأتفاق السابق عام 2015 استغرق أكثر من عامين لإنجازه مع إدارة أميركية متقاربة مع طهران هي إدارة أوباما. فلربما يروم الآيات أن تنتهي فترة إدارة ترامب قبل الوصول إلى اتفاق جديد، وهذه الاستراتيجية الإيرانية أجهضها الرئيس الأميركي بمدة الشهرين التي حددها لإنجاز الاتفاق!  

وأمام الجانب الأميركي تحدي الوقت، إذا أرادت واشنطن التغلب على التكتيكات الإيرانية المعتادة. وستتسم المفاوضات بين الطرفين بالصعوبات والتعقيدات الكثيرة، ولن يتفاجأ المراقبون إذا ما توقفت المفاوضات أو تم تعليقها مرة أو مرتين!  

السؤال: كيف ستكون المفاوضات؟ مباشرة كما تؤكد واشنطن؟ أم غير مباشرة حسب كلام طهران؟ أم أن الطرفين تجاوزا مشكلة طبيعة المفاوضات؟ والتي هددت واشنطن بإلغائها إذا لم تكن مباشرة.  

لا يُستبعد أن إيران المهتمة بالشكليات والحريصة على حفظ ماء وجهها قد توصلت إلى تفاهم مع الأميركيين بأن تكون الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة في غرفة واحدة، على أن يوجه كل طرف كلامه للوسيط العماني وليس مباشرة للطرف الثاني، وهي حيلة استخدمتها طهران أثناء المفاوضات العراقية الإيرانية في جنيف لتثبيت وقف إطلاق النار بين البلدين خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات، حيث كانا في غرفة واحدة، لكن كل طرف خاطب الأمين العام للأمم المتحدة بمفرده، ولم يحدث أي حوار مباشر بين العراقيين والإيرانيين.  

وإذا ما اتفق الطرفان لاحقاً على أن "المفاوضات صريحة ومثمرة"، فإن ذلك سيخول لطهران الإعلان أمام شعبها عن تحول المفاوضات إلى مفاوضات مباشرة! وقد ألمحت وكالة الأنباء الرسمية التابعة للحكومة إلى أن محادثات السبت في سلطنة عمان "قد تكون خطوة نحو استئناف المحادثات المباشرة، وقد تغطي قضايا مثل إحياء محتمل للاتفاق النووي أو تخفيف التوترات الثنائية أو خلق انفراجة في المأزق الحالي".  

موضوعياً، إن طهران التي وضعت لاءات كثيرة بعدم التفاوض حول نشاطات حلفائها الإقليميين وسلاحها الصاروخي، يتوقع ألا تلتزم بذلك إذا ما قدمت لها واشنطن صفقة مغرية، خاصة فيما يتعلق بوكلائها الإقليميين الذين لطالما كانوا مادة للمساومات الإيرانية في مفاوضات عديدة، ويعيشون حالياً حالة صعبة.  

ستتركز المفاوضات إجمالاً وتفصيلاً حول المشروع النووي الذي يمثل الهاجس الأكبر لواشنطن وتل أبيب والعواصم الغربية والإقليمية، لأنه سيتسبب في سباق تسلح نووي في غرب آسيا من الصعوبة السيطرة عليه.  

ويُتوقع أن إيران التي قدمت تنازلين واضحين في الموافقة على المفاوضات بدون شروط، وعلى قبول المفاوضات المباشرة، ستضطر في وقت ما، وتحت الضغط (السياسي والعسكري والاقتصادي)، لتقديم تنازلات أخرى أو مواجهة حرب لا قدرة لها ولا لميليشياتها الإقليمية على مواجهتها.  

إن الانهيار المتوالي وغير المسبوق للتومان الإيراني مع التضخم المتزايد في البلاد، وتزايد العجز في الموازنة وتراجع الإيرادات النفطية، ستضع شعبية النظام في موقف صعب وغير مسبوق، خاصة مع الضغط الأميركي الشديد على بغداد لمنع "الإسعافات الدولارية" العراقية المعتادة. ويُضاف إلى ذلك التوقيف الإجباري والصارم للصادرات النفطية الإيرانية (تتوقف حالياً 11 ناقلة نفط خاضعة للعقوبات الأميركية تحمل 17 مليون برميل من النفط الإيراني بموانئ شرق ماليزيا، في منطقة تُستخدم عادةً لنقل النفط من سفينة إلى أخرى، وهي عالقة في المنطقة لأكثر من شهرين دون أن تتمكن من استكمال عملياتها).  

كل هذه العوامل الخانقة للاقتصاد الإيراني لن تسعف طهران على اللجوء للمناورة السياسية التي احترفت ممارستها سابقاً في مواجهة التحديات. فالنظام الثوري الإيراني يواجه حالياً أخطر مراحل تاريخه السياسي منذ الثورة عام 1979.  

يلمح صحفيون ومحللون إيرانيون إلى أن طهران ستقدم صفقة اقتصادية للولايات المتحدة بعدة تريليونات ما بين مشتريات واستثمارات وشراكات اقتصادية، لكن الاقتصاد الإيراني ليس بهذه الضخامة والكفاءة التي تتيح الحديث عن تريليون فما فوق، فالناتج القومي الإيراني لا يتجاوز 500 مليار دولار.  

طهران على موعد مع التقرير الفصلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بنهاية الشهر المقبل (أيار/مايو)، ولذلك هي لا تريد قطع اتصالاتها مع واشنطن ومع الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، وهدفها هو تأخير تفعيل آلية الزناد من أجل توفير مزيد من الوقت، خصوصاً أن ترامب حدد مهلة شهرين للمفاوضات!  

من ناحية أخرى، ينقسم فريق البيت الأبيض بين مؤيدي التوصل إلى اتفاق ومؤيدي توجيه ضربات إلى المنشآت النووية الإيرانية.  

وقد حذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مراراً، بنفسه وعن طريق الناطق باسم البيت الأبيض، من التوجه إلى الخيار العسكري لقصف إيران، إذا لم يتم التوافق.  

فرضية امتلاك إيران للسلاح النووي غالباً ما تقترن بفكرة الحرب النووية المحتملة في الشرق الأوسط، الموجهة بشكل رئيسي ضد إسرائيل. لذا، فالخيار العسكري للحرب الوقائية ضد إيران هو مفضل من قبل بعض جماعات صانعي القرار الأميركي.  

وهذه الجماعات تدعو إلى موقف عنيف تجاه دولة تُعتبر معادية، وتشجع الإرهاب، وتريد الإضرار بالمصالح الأميركية، وكذلك السلام في الشرق الأوسط والعالم. لذلك فإن البرنامج النووي الإيراني هو المبرر الرئيسي للصقور المؤيدين للحرب، ويعتقد المدافعون عن الحرب الوقائية أنها ستفضي إلى الاستقرار في المنطقة وتأمين المصالح الأميركية.  

إنَّ الجولة الأولى من مفاوضات مسقط هذا السبت قد تقتصر على تحديد أجندة المفاوضات وإطارها العام، لكن المفاوضات بمجملها ستكون هامة وحاسمة ومصيرية للمحور الإيراني، بل وتاريخية للمنطقة ككل. وستكون لها انعكاسات مؤثرة على جيوسياسية الشرق الأوسط، سواء كان الحل دبلوماسياً أم عسكرياً. فما بعد مفاوضات مسقط لن يكون كما قبلها، لأنها ستحدد دور طهران الجديد إقليمياً، وستؤطر مديات نفوذها، وستضعها في إطار حجمها السياسي الذي يتناسب وقوتها السياسية الحقيقية، وليس وفق طموحاتها التاريخية.  

لذا فإنَّ أنظار الجميع في المنطقة وخارجها ستراقب باهتمام بالغ مصير هذه المفاوضات ونتائجها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.