تمثل المرحلة الراهنة في سوريا واحدة من أعقد وأخطر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرين، فبعد أكثر من عقد من الصراع الدامي الذي مزق البلاد، لا تزال سوريا غارقة في أتون أزمة متعددة الأبعاد، تتداخل فيها الصراعات السياسية والعسكرية والإنسانية بشكل متشابك. لقد أنتجت سنوات النزاع واقعًا مأساويًا، حيث تسببت في مقتل مئات الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين، وتدمير البنية التحتية، وتفتيت النسيج الاجتماعي. وفي ظل هذا الوضع المتردي، يظل تحقيق انتقال سياسي مستدام يضمن السلام والاستقرار هدفًا بعيد المنال، وتواجه هذه العملية العديد من الصعوبات التي تهدد بتقويض أي تقدم محتمل. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى فهم عميق للتحديات التي تواجه المرحلة الانتقالية في سوريا، واستكشاف المآلات المحتملة لهذا الصراع، من أجل تحديد السبل الكفيلة بتحقيق حل سياسي عادل وشامل يضمن مستقبلًا مستقرًا ومزدهرًا للشعب السوري.
إنَّ أهم الصعوبات التي تواجه المرحلة الانتقالية هو تعدد الأطراف المتنازعة، حيث يشهد المسرح السوري تباينًا عميقًا بين تلك الأطراف، بما في ذلك النظام السوري الجديد ومعارضيه من أبناء الأقليات، وجزء من الفصائل المسلحة المحسوبة على الثورة السورية، والجماعات المسلحة الأكثر تشددًا، والقوى الأجنبية المتمثلة في إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، مما يعقد أي محاولة للتوصل إلى حل سياسي شامل. لقد أدى النزاع إلى تآكل الثقة بين الأطراف المتنازعة والمجتمع السوري، مما يجعل من الصعب بناء توافق حول مستقبل البلاد. وكما نعلم، تلعب القوى الإقليمية والدولية دورًا كبيرًا في الصراع السوري، وغالبًا ما تتعارض مصالحها مما يزيد من تعقيد الوضع، ولا شك أن الوضع الإنساني المتردي الذي يعاني منه ملايين السوريين، والظروف الإنسانية القاسية بما في ذلك النزوح والفقر ونقص الخدمات الأساسية، يزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار السياسي. كما يشكل الإرهاب تهديدًا مستمرًا للاستقرار في سوريا، وتواجه الحكومة والمجتمع الدولي تحديات كبيرة في مكافحته. ويمكن أن نعتبر أن أخطر ما تواجهه المرحلة الانتقالية هو الوضع الاقتصادي المتردي وانهيار الاقتصاد نتيجة تدمير البنية التحتية السورية، وهذا يزيد من صعوبة المرحلة الانتقالية.
في خضم هذه الصعوبات، يمكن أن نطرح المآلات المحتملة للمرحلة الانتقالية من خلال الحل السياسي الشامل، وهو المآل الأكثر تفضيلًا في حال تضمن الحل تشكيل حكومة انتقالية تمثل جميع أطياف الشعب السوري، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإعادة بناء المؤسسات الحكومية. وفي ظل استمرار الصراع وتزايد الانقسامات، قد يؤدي ذلك إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ متنازع عليها مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي، وقد يستمر النزاع في سوريا لسنوات قادمة مع تزايد العنف والمعاناة الإنسانية والتدخلات الخارجية، وقد يفرض حكام دمشق الجدد سيطرتهم على البلاد بالقوة مما يقوض أي فرصة للانتقال الديمقراطي، وقد تزيد التدخلات الدولية في سوريا مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي والدولي.
إنَّ المرحلة الانتقالية في سوريا تقف على مفترق طرق خطير، حيث تتشابك التحديات السياسية والعسكرية والإنسانية والاقتصادية، مما يجعل التنبؤ بالنتيجة النهائية أمرًا صعبًا. ومع ذلك، فإن تحقيق حل سياسي شامل يتطلب جهودًا متضافرة من جميع الأطراف السورية، وكذلك من المجتمع الدولي، ويجب أن تركز هذه الجهود على استعادة الثقة بين السوريين، وهو أساس أي حل مستدام. ويتطلب ذلك اتخاذ خطوات ملموسة، أهمها نبذ العنف وجلوس جميع الأطراف على طاولة واحدة عنوانها سوريا الوطن ومصلحته العليا. كما يجب على المجتمع الدولي تقديم مساعدات إنسانية عاجلة لتلبية احتياجات ملايين السوريين الذين يعانون من النزوح والفقر ونقص الخدمات الأساسية، وبما أن الإرهاب يشكل تهديدًا مستمرًا للاستقرار في سوريا والمنطقة، يجب على جميع الأطراف العمل معًا لمكافحة هذا التهديد والقضاء على الجماعات الإرهابية، وإعادة بناء الاقتصاد المدمر والمنهار. وهذا يجب أن يقع على عاتق المجتمع الدولي من خلال دعمه لجهود إعادة الإعمار وتوفير الموارد اللازمة لإعادة تأهيل الاقتصاد السوري. كما يجب تفعيل القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري من قبل مجلس الأمن، والعمل على تطبيقها على أرض الواقع، والضغط على جميع الأطراف للالتزام بها. صحيح أن تحقيق هذه الأهداف لن يكون سهلًا، ولكنه ضروري لإنهاء معاناة الشعب السوري وتحقيق مستقبل مستقر ومزدهر لسوريا.
خلاصة القول، تواجه سوريا مرحلة انتقالية بالغة التعقيد، تتشابك فيها التحديات السياسية والعسكرية والإنسانية والاقتصادية، مما يجعل التنبؤ بالمستقبل صعبًا. ومع ذلك، فإن الحل السياسي الشامل ومشاركة كافة أطياف الشعب السوري في الحكم هو السبيل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب السوري وتحقيق الاستقرار. يتطلب هذا الحل جهودًا مشتركة من جميع الأطراف السورية والمجتمع الدولي، مع التركيز على بناء الثقة، وتلبية الاحتياجات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب، وإعادة بناء الاقتصاد، وتفعيل القرارات الدولية. ورغم صعوبة تحقيق هذه الأهداف، إلا أنها ضرورية لبناء مستقبل مستقر ومزدهر لسوريا.