: آخر تحديث

تفکيك النظام وليس البرنامج النووي

2
2
2

على العالم كله أن يصدق أن النظام الإيراني لا يريد إنتاج القنبلة النووية، وأن كل ما يُقال بهذا الصدد هو محض كذب وافتراء، ولا سيما أن علي خامنئي قد أصدر فتوى بتحريم إنتاج القنبلة النووية. لكن لماذا هذا الإصرار العالمي – والإقليمي ولكن على حياء – على عدم تصديق هذا النظام؟ الذي يثير التساؤل هنا هو: إذا لم يكن في نية النظام الإيراني حيازة السلاح النووي، فلماذا إذن كل هذا الشد والجذب، لا سيما أن طابع السرية والتكتم غير العاديين اللذين يهيمنان على البرنامج النووي وعلى النوايا الإيرانية معه يثير الكثير من الشكوك، وقد قيل: من وضع نفسه في مواضع التهم فلا يلومن من أساء به الظن، أو كما يقول المثل العراقي: اللي أبعبه صخل يمعمع!

الغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، صدعوا رؤوس العالم بتهديداتهم وتحذيراتهم للنظام الإيراني من مغبة مواصلة المساعي السرية من أجل إنتاج السلاح النووي، لكنهم بأنفسهم يعودون ليؤكدوا بأنه قد أصبح على مسافة قريبة من صناعة القنبلة النووية، مثلما أن النظام الإيراني أيضاً ملأ الدنيا صراخاً وهو يهدد ما يسميه بالاستكبار العالمي عموماً والشيطان الأكبر خصوصاً بالويل والثبور لو نالوا منه، لكنه وفي الوقت الذي ساهم فيه الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً بقتل خيرة قادة الحرس الثوري ولا سيما رأس الإرهاب قاسم سليماني، وقاموا بدفن وكيلين له تحت أطنان من القنابل والصواريخ، لا زال يهدد حتى يبدو أنه قد تجاوز "عباس" الشاعر أحمد مطر بفراسخ!

هل إن الغرب والولايات المتحدة جادّان فعلاً في منع طهران من إنتاج السلاح النووي؟ سؤال شفاف ولكن إجابته تأتي دائماً ضبابية ومطرزة بالطلاسم والألغاز، وحتى إن انتقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب من لغة التهديدات العنترية إلى نوع من المناجاة العبلوية لخامنئي يدفع للتشكيك به وبما يريد أن يقوم به ضد طهران نووياً، ومع أن دول المنطقة، ولا سيما المعنية منها أكثر من غيرها بسعي النظام الإيراني لحيازة السلاح النووي، تنتظر على أحرّ من الجمر نتائج المفاوضات النووية وأن تفضي إلى حسم الملف النووي، لكنها تعلم بأن لعبة المصالح تأخذ حيزاً كبيراً في هذه المفاوضات، مع ملاحظة أننا نستطيع أن نُصوّر حال البلدان الغربية ودول المنطقة بالنسبة إلى الموال النووي الإيراني كما يقول المثل المعروف: "أكل زيد الحصرم وتضرس أسنان عمر"!

في حالة الشد والجذب الجارية بين الغرب وإيران الخمينية، وعندما يدّعي خامنئي والنظام الإيراني بالمظلومية فيما يخص نواياهم "الحميدة" نووياً، يشبهون ذلك الذئب الذي يبكي تحت أقدام الراعي(1). ولا يبدو أنَّ الموال النووي سيتم حسمه كما ادعى ترامب في البداية، "رغم أننا واثقون بأنه في النهاية سيجبر النظام على تقديم تنازل غير مسبوق لكنه قد يكون دون المستوى فيما لو اتخذت المفاوضات مساراً ماراثونياً". المشكلة ليست في البرنامج النووي للنظام الإيراني مثلما ليست أيضاً في التدخلات في المنطقة وإثارة الحروب والأزمات فيها، وكذلك ليست في الممارسات القمعية بحق الشعب الإيراني، إنما المشكلة في النظام نفسه وفي بقائه واستمراره، ومن يتصور أن هذا النظام سيصبح قابلاً للاندماج مع العالم ويكفّ عن نهجه المشبوه، فإنه كمن يقوم بقص الحشائش المضرة في حديقته من دون اجتثاثها من الجذور، وقد صدق آينشتاين عندما قال: "الجنون هو أن تفعل الشيء مرة بعد مرة وتتوقع نتيجة مختلفة"!


(1) مأخوذ من مقولة لألبير كامو: المخادع ذئب يبكي تحت أقدام الراعي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.