قبل أن تحاصرنا "كورونا" في بيوتنا جعلتني إنشغالتي الضرورية وحقاًّ وغير الضرورية أن أبقى أركن واحدأً من أهم ما صدر من كتب ليس في السنوات الأخيرة وإنما في العقود الأخيرة للكاتب الروسي ألكْسي فاسيليف وهو : "من لينين إلى بوتين" والذي يقع في نحو "ثمانمائة صفحة" من القطع الكبيرة، وحيث ظهر فيه هذا الكاتب العظيم حقاًّ إنْ ليس معادياً للشيوعية فله عليها مآخذ كثيرة ومنتقداً لمن إعتبره دكتاتوراً ظالماً ومستبداً أي جوزيف ستالين!!.
إنه من المبكر الحديث كتابة عن هذه الموسوعة السياسية الرائعة فعلاً، وإن ما أريد الإشارة إليه هو أنه قد تحدث عن رجل عظيم بالفعل هو الراحل عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، باني المملكة العربية السعودية التي أصبحت لها كل هذه المكانة المؤثرة في العالم كله، والتي كان الإتحاد السوفياتي في عام 1932 هو أول دولة تعترف بها وتقيم علاقات دبلوماسية معها، وحقيقة إن هذا لا يدل وفقط لا بل يؤكد أن العاهل السعودي المؤسس كان بعيد النظر وكان رجل دولة بكل معنى الكلمة حتى في ذلك الوقت الذي كان لم يمرّ على إنفراط عقد الإمبراطورية العثمانية إلاّ نحو عقد ونيف من الأعوام.
وهنا وخلافاً لما يعتقد البعض فإنّ الرئيس السوفياتي جوزيف ستالين، الذي شهدت سنوات نهايات ثلاثينات القرن الماضي ذروة سياساته القمعية حتى ضد كبار قادة الحزب الشيوعي، هو من بادر إلى إستدعاء أعضاء البعثة الدبلوماسية السوفياتية في جدة وحيث تم إعدام السفير حكيموف ومعظم أعضاء هذه البعثة وبدون ذكر أي أسباب لتلك الجريمة النكراء التي جرى مثلها وأبشع منها كثيراً خلال تلك المرحلة السوفياتية التي كانت دامية ومرعبة بالفعل وهذا ما قاله ودونه القادة الشيوعيون اللاحقون.
وهكذا فقد بقيت العلاقات السعودية – السوفياتية (الروسية) قائمة وإنْ شكلياً وإلى أنْ قطعتها موسكو بدون أي مبرر معلن وأغلب الظن في هذا المجال هو أنّ ستالين الذي توفي في عام 1953 كان كما هو معروف قد دفع الإتحاد السوفياتي إلى مرحلة صراع المعسكرات على خلفية الحرب العالمية الأولى وبدايات إنفجار الحرب العالمية الثانية في سبتمبر عام 1939 ضد ألمانيا النازية وأنه كان يتعامل مع الدولة كلها :"إمّا معي أو ضدي"!!.
إنّ ما أريد قوله في هذا المجال هو أن الملك عبدالعزيز آل سعود كان قائداً عظيماً بالفعل وأن نظرته السياسية كانت بعيدة وأنه كان واقعياً في التعاطي مع المعادلات الدولية والإقليمية وإلاّ لما كان تعامل مع تمحورات تلك المرحلة التي مرّ عليها منذ ذلك الوقت المبكر حتى الآن نحو قرن بأكمله على أن :"الدين لله" وأن العلاقات بين الدول تقوم على أساس المصالح المتبادلة، وحقيقة أن الإتحاد السوفياتي كان هو المبادر إلى هذه العلاقة المبكرة في عام 1932 وأن السعودية كانت ترغب في إستمرارها وأنه قد تم إستئنافها، وذلك مع أن التواصل عملياًّ لم ينقطع، في سبتمبر عام 1990 وأنها الآن تعتبر في ذروتها وفي المجالات كافة وعلى الأصعدة كلها.

