الغوغاء في اللغة العربية: هم السفلة من الناس لكثرة لغطهم وصياحهم.
"يقول المفكر والعالم الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي في كتابه "الأحلام بين العلم والعقيدة": سأصارح القارئ بقول قد لا يرتضيه مني، وهو أني كنت في العهد البائد أخشى من غضب الحكام، وقد أصبحت في العهد الجديد أخشى من غضب "الغوغاء"، وأرجو من القارئ ألا يسيء فهم قولي هذا، فالغوغاء ظاهرة اجتماعية موجودة في كل مجتمع، وكلما اشتد الجهل في بلد ازداد خطر الغوغاء فيه".
في كثير من الأوقات، كنت أسأل نفسي: كيف صارت الغوغائية سلوكا مجتمعيا في البلدان العربية؟ لماذا صار الرعاع والدهماء هم الذين يعبرون عن القضايا العربية المصيرية؟ لماذا صار العنف والتطرف حاضرا بقوة في كل موقف من مواقف الشعوب العربية في عصرنا الراهن؟ من الذي عمق هذا السلوك وعمل على تغذيته لدى الجماهير الغاضبة والمحتقنه دوما؟ لماذا وصل رجل الشارع العربي إلى هذا المستوى البدائي الهمجي في طريقة التعبير عن قضاياه؟ اعتقد أن الأوضاع التي مرت، وتمر بها الأمة العربية منذ منتصف القرن الماضي، وما تكالب عليها من نكبات وهزائم، تأتي على القمة منها قضية فلسطين التي استعصت على الحل، ولاحقا الغزو الأمريكي/ البريطاني للعراق في العام 2003م، كانت من الأسباب الرئيسة في خلق هذه الحالة العصابية التي يعاني منها كثير من العرب المعاصرين.
احداث كثيرة مرت على المنطقة العربية منذ ثورات الربيع العربي، جعلت ممن يطلقون على انفسهم "النخبة" عبئا ثقيلا على شعوب المنطقة وعلى مستقبلها، فاصبحوا مكشوفين ويبدون فارغين فكريا واخلاقيا، ليس لديهم ما يقدمونه لمجتمعاتهم. فالنخب الحقيقية هي التي تقدم الأفكار الخلاقة وتتخذ المواقف السليمة والجادة، وليست تلك التي تضيع وقتها واوقات مجتمعاتها في التنظير غير الواقعي والثرثرة التي لا تؤدي الى نتيجة. والنخب الحقيقية لا تكون فوق الناس، وإنما معهم وبينهم ومنهم، فلا تستعلي على أفراد المجتمع، ولا تنزل الى مستوى الغوغاء من اجل تحقيق مصالح ذاتية آنية. التاريخ يؤكد ان الرجال العظماء يولدون في أحضان مثل هذه النخب، ويحققون المعجزات ويبثون في أبناء شعوبهم روح التضحية ونكران الذات.
على النخب العربية المثقفة والوطنية ان تتحمل مسؤوليتها وتمارس دورها الحقيقي، لا ان تسير وراء الغوغاء فتتحول الى نخب غوغائية، فالمجتمعات لا تتقدم ولا تتطور بهؤلاء الناس. المجتمعات بحاجة دائما الى أصحاب العقول النيرة والفكر الخلاق والمبدع، وليس أصحاب الأصوات العالية الفارغة. ويبدو ذلك مهما خصوصا بعد ان اصبح من يعتبرهم الجمهور نخبا يتقربون الى الغوغاء بالتجاوب مع مطالبهم، وهؤلاء في حقيقة الأمر هم غوغاء توهموا انفسهم نخبا فلم يقدموا ولم يتقدموا.
لهذا، نحن بحاجة الى إشاعة لغة مغايرة لخطاب جديد يفضح خطاب الغوغاء ويكشف عن سوءاتهم، لغة جديدة راقية للاحتجاج تحترم حرية التعبير والحق في التظاهر، وتؤمن به كممارسة لا تخل بالأمن ولا تمس الممتلكات العامة والخاصة، ولا تستبيح الحرمات ودماء المخالفين.
اقوال في الغوغاء:
• الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق. إذا اجتمعوا غلبوا، واذا تفرقوا لم يعرفوا. (الإمام علي).
• وله قول آخر: هم الذين إذا حضروا ضروا، وإذا غابوا نفعوا – فسئل كيف ذلك؟ قال: إذا غابوا ذهب كل واحد الى مهنته فاستفاد منه الناس.
• أفراد من ضعاف القلوب، الذين هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتخذهم المستبد كنموذج البائع الغشاش على أنه لا يستعملهم في شيء من مهامه فيكونون لديه كمصحف في خمارة، أو سبحة في يد زنديق، ولهذا يقال دولة الاستبداد دولة بُله وأوغاد. (عبد الرحمن الكواكبي).
آخر الكلام: كشف فايروس "كورونا" غوغائيتنا الفكرية والثقافية، فما ان اجتاح هذا الوباء دول العالم، حتى إنبرى الغوغاء من الجهلة وانصاف المتعلمين، ومن بينهم رجال دين من كل الأديان السماوية وغير السماوية والمذاهب والطوائف، كل يدلوا بدلوه في موضوع علمي/طبي لا علاقة لهم به من قريب او بعيد، بل تجرأ بعضهم في حض الناس على اخذ وصفات علاجية عبارة عن خليط من الأعشاب الطبيعية، والبعض حث الناس على زيارة اضرحة الأولياء والصالحين للتبرك بها. أما رجال الدين الهندوس فقد حثوا اتباعهم على شرب بول البقر كعلاج وقائي.

