العالم العربي، عالم العجائب والغرائب وكل ما لا يخطر على بال وخصوصا في عالم السياسة.
المثال الأول: من كان يصدق ان الرئيس اليمني المخلوع "علي عبد الله صالح" الذي حكم اليمن لمدة 33 عاما بالحديد والنار والنفاق السياسي عن طريق التحالفات والتحالفات المضادة مع القوى السياسية والدينية والقبلية، وجعل من اليمن دولة فاشلة بكل المقاييس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستولى على حوالي 60 مليار دولار من اموال الشعب اليمني خلال فترة حكمه البائسة، مما أدى الى إنتفاضة الشعب اليمني عليه في عام 2011م ومحاولة إغتياله، وفي النهاية خلعه من السلطة.
من كان يصدق او يتوقع انه بعد كل هذه الجرائم التي إرتكبها بحق الشعب اليمني، ان يعود "صالح" الى الواجهة الرئيسية في المشهد السياسي اليمني الحالي بهذا النفوذ القوي، بحيث لم يعد شيئ يتحرك في اليمن بدون موافقته.
المثال الثاني: الرئيس اللبناني "ميشال عون" المنتخب قبل ايام، بعد مخاض عسير استغرق حوالي عامين ونصف العام. ترأس "عون" بوصفه قائد الجيش اللبناني الحكومة الانتقالية العسكرية عام 1988م بمرسوم من الرئيس "امين الجميل" بعد انتهاء ولايته وتعذر انتخاب رئيس للجمهورية يخلفه بسبب الحرب الأهلية التي كانت تعصف بلبنان وقتها. لم يلقى ذلك التعيين قبولا لدى القوى السياسية الرئيسية في لبنان، ولا الحكومة السورية التي كانت متوجسة من العلاقات التي كانت تربط بعض القوى المسيحية بإسرائيل وقتها، مما إضطرها الى التدخل عسكريا واحتلال قرابة ثلاثة ارباع لبنان.
في شهر اغسطس من العام 1989م، تم التوصل الى "اتفاق الطائف" الذي كان بداية لإنهاء الحرب الأهلية التي إمتدت لحوالي 15 عاما والذي حظي بقبول عربي ودولي. رفض "عون" ذلك الاتفاق الذي شرعن وجود القوات السورية على الأراضي اللبنانية، ولم يحدد مدة زمنية للإنسحاب او آليته، واعلن الحرب ضد الجيش السوري تحت شعار "حرب التحرير" ضد الاحتلال السوري، وظل معتصما داخل قصر بعبدا الرئاسي. قام الجيش السوري وحلفاءه اللبنانيين بمحاصرة القصر وقصفه مما إضطره الى الهروب واللجوء الى السفارة الفرنسية التي رتبت خطة هروبه، حيث بقي فيها لاجئا سياسيا قرابة العامين، ثم رحل الى قبرص ومنها الى باريس على متن بارجة حربية فرنسية.
عاد الى لبنان في عام 2005م بعد إنسحاب الجيش السوري من لبنان إثر إغتيال رئيس الوزراء "رفيق الحريري"، وخاض بعدها الانتخابات النيابية التي أجريت في شهري مايو ويونيو من العام نفسه ودخل البرلمان بكتلة نيابية من 21 نائبا وهي ثاني اكبر كتلة نيابية في البرلمان. وفي انتخابات عام 2009م تمكن من زيادة عدد نواب حزبه الى 29 نائب.
أُنتخب "عون" رئيسا للبنان بعد أن انقلب رأسا على عقب، بتغيير تحالفاته السياسية حيث تصالح مع عدوه اللدود "حزب الله" ذو النفوذ السياسي والعسكري في لبنان، وتوج ذلك الصلح بزيارته التاريخية الى سوريا في الثالث من ديسمبر عام 2008م. من كان يتوقع ان يسكن "عون" القصر الرئاسي اللبناني مرة ثانية ولمدة 6 سنوات قادمة، بعد ان طرد منه بقوة السلاح.
في أية تسوية سياسية للصراع الدائر حاليا في اليمن، سيكون لـ "صالح" حصة كبيرة لا يستهان بها. هذه الحصة سوف تعطى له عن طريق اولاده واقرباءه والمقربين إليه من اعضاء حزبه السياسي (حزب المؤتمر الشعبي العام) الذي لا يزال هو رئيسا له، بحيث يتمكن هو شخصيا وبطريقة غير مباشرة من فرض سيطرته والتأثير في مستقبل اليمن.
أما الرئيس اللبناني، فلا اعتقد (واتمنى ان اكون مخطئا) انه سوف يتمكن من تسيير امور الدولة بحرية، ومعالجة الملفات الخلافية الكثيرة والمعقدة، وأهمها تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية وسلاح حزب الله، وخصوصا ان الحزب غارق حتى أذنيه في الحرب الأهلية السورية منذ بدايتها. سيبقى "عون" تحت تأثير من أوصلوه الى سدة الحكم، واذا حاول الخروج من تحت العباءة فستوضع كل العقبات الكأداء في طريقه، كما حدث الى سلفه الرئيس "ميشال سليمان".
لا يتبوأ المراكز السياسية والاقتصادية والاجتماعية مرة ثانية من خان الأمانة وأساء الى الوطن والمواطنين إلا في عالمنا العربي ودول العالم الثالث التي على شاكلته، حيث الولاء يكون للقبيلة او الطائفة او العشيرة بدلا من الوطن، اما في الدول الديمقراطية فمثل هؤلاء يكونون منبوذين في مجتمعاتهم بعد ان يقضوا عقوبة ما إقترفوه بحق اوطانهم.
من سخرية الأقدار – هذا يحدث في عالمنا العربي
مواضيع ذات صلة