: آخر تحديث

العامل الغائب في القرارات الذكية

5
3
4

في عالم تتسارع فيه القرارات وتزداد فيه الضغوط، لم يعد القائد يُقاس بقدرته على تحليل البيانات فقط، بل بقدرته على فهم الإنسان الذي يقف خلف تلك البيانات، وحتى تكتمل الصورة القيادية يتطلب بعداً آخر لا يقل أهمية: القدرة على قراءة البشر بنفس جودة قراءة الأرقام. فعندما يجمع القائد بين البعدين، تتقلص الفجوات داخل الفريق، ويتحول القرار الصحيح إلى أثر واسع ونتائج متكاملة تعزز روح المنظمة.

فالفرق لا تتبع الأكثر علماً فحسب، بل تتبع القائد الذي يفهم احتياجاتهم ويقدّر قيمتهم ويلهم قدراتهم. هذا الإدراك الإنساني يجعل الفريق شريكاً حقيقياً في النجاح، ويحوّل بيئة العمل إلى مساحة نابضة بالتعاون والطموح، عندها لا يُنظر إلى الأدوار بوصفها مهام فقط، بل كمساحات للنمو والإبداع وبناء الثقة.

المنظمات التي توفّق بين التحليل الدقيق وفهم المشاعر الإنسانية، تبني ثقافة عمل إيجابية يسودها الانسجام، فحضور الحس العاطفي يعزز الثقة داخل الفريق، ويمنح الأفراد شعوراً أنهم جزء من معادلة النجاح، هذا الشعور ينعكس على أدائهم، فيرتفع الحماس، وتتوسع المبادرات الذاتية، وتتحول الأفكار الصغيرة إلى خطوات تطوير حقيقية.

كما أن الابتكار يزدهر في البيئات التي يشعر فيها الأفراد بالأمان النفسي، حيث يُنظر إلى التجربة باعتبارها وسيلة للتعلم، لا مساحة للخطأ. الإبداع لا يولد من الأرقام وحدها، بل من حوار إنساني صادق، ومن ثقافة تسمح للموظفين أن يطرحوا أفكارهم بثقة ويكتشفوا مسارات جديدة تدعم تطور المؤسسة.

وعندما يدمج القائد الذكاء العاطفي مع الذكاء التحليلي، يصبح أكثر قدرة على بناء فرق متحمسة ومتفاعلة، هذا الدمج يصنع بيئة صحية تستوعب الاختلافات وتحتضن الطاقات، ويجعل من القرارات الإدارية محركاً لتحسين الأداء الجماعي، لا مجرد توجيهات عملية. وهكذا تتحول المؤشرات الرقمية إلى انعكاس حقيقي لصحة المؤسسة الداخلية وتماسكها.

القضية ليست في التخلي عن التحليل أو التقليل من قيمته، بل في تعزيز التوازن بين العقل والقلب، فالقائد الذي يقرأ البيانات ويقرأ معها مزاج فريقه ومستوى الضغط والطاقة الإيجابية، يصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات دقيقة، وتنفيذ استراتيجيات فعّالة، وتحقيق نتائج مستدامة.

الذكاء العاطفي ليس امتداداً تجميلياً للقيادة، بل هو المكوّن الذي يمنح القرارات حياة، والاستراتيجيات عمقاً، والعلاقات المهنية استدامة. وعندما يوازن القائد بين العقل والقلب، تتحول خططه من أرقام إلى تأثير، وتتحول رؤيته من هدف إلى ثقافة ملهمة. فالمستقبل لا يصنعه القرار الدقيق وحده، بل يصنعه الفريق الذي يؤمن برحلته ويشارك في تحقيقها. القيادة التي تستمع للعقل وتحتفي بالقلب هي القيادة التي تملك القدرة على بناء منظمات تنمو بثقة، وتبدع بشغف، وتصنع أثراً يبقى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد