منيرة أحمد الغامدي
قدّمت صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة بنت مشهور بن عبد العزيز حرم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تبرعاً سخياً بقيمة عشرة ملايين ريال سعودي لصالح صندوق دعم الأطفال المصابين بداء السكري من النوع الأول عبر صندوق الوقف الصحي، وهي خطوة تجسّد أسمى معاني العطاء الوطني، وتحوّل الدعم المالي إلى رسالة إنسانية واضحة بأن التنمية المجتمعية مسؤولية تشاركية بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص.
وسيُوجّه هذا التبرع إلى توفير مضخّات أنسولين حديثة للأطفال وهي أجهزة متقدّمة تمنح المصابين الصغار قدرة أكبر على ممارسة حياتهم اليومية بأمان وتخفّف الأعباء الصحية والنفسية والاقتصادية على أسرهم ضمن برنامج واسع قدّم خدماته خلال السنوات الماضية لآلاف المستفيدين في مختلف مناطق المملكة.
وقد أكدت وزارة الصحة وصندوق الوقف الصحي أن مبادرة سمو الأميرة ليست حدثاً عابراً بل امتداد لمسار طويل من العطاء الإنساني الذي تشكل المرأة السعودية جزءاً أصيلاً منه، وقد عبّر وزير الصحة معالي فهد الجلاجل عن تقديره العالي لسموّها لافتاً إلى أن هذه المبادرة تُجسّد روح التراحم والتكافل التي تميّز المجتمع السعودي وتعزّز مفهوم الشراكة المجتمعية في القطاع الصحي وتُحفّز على نموذج جديد من المسؤولية المجتمعية المؤسسية المبنية على الأثر المستدام لا على المبادرات الرمزية.
ويأتي هذا التبرع ليحمل أيضاً رسالة مباشرة للقطاع الخاص ودعوة صريحة لرجال وسيدات الأعمال ليكونوا شركاء فاعلين في التنمية، خصوصاً في زمن أصبحت فيه المسؤولية الاجتماعية جزءاً من قوة الشركات ومؤشرًا على نضجها وريادتها.
التحولات الاقتصادية والتنموية التي تشهدها المملكة اليوم تجعل الاستثمار في الصحة والتعليم وتمكين الفئات الضعيفة عملاً يُبرز دور الشركات في بناء الوطن ويعكس وعياً بأن الأثر الاجتماعي ليس خصماً من القوة الاقتصادية، بل جزء منها وأن دعم البرامج الصحية - ولا سيما تلك التي تستهدف الأطفال - هو استثمار طويل الأمد في مستقبل الوطن وحماية للإنسان قبل أي شيء آخر.
وهنا تبرز أهمية الدور المحوري للإعلام الوطني في دعم مثل هذه المبادرات؛ فالإعلام لا يكتفي بنقل الخبر بل يشكّل منصة توجيه ووعي تدفع المجتمع نحو المشاركة.
وكل قصة تُروى عن طفل تغيّرت حياته وكل مبادرة تُسلّط عليها الأضواء تخلق أثراً مضاعفاً يُحفّز الأفراد والقطاع الخاص على الانخراط في العمل التنموي، وبهذا يصبح الإعلام شريكاً أساسياً في صناعة الأثر ومحركاً مهماً لتوسيع دائرة العطاء والمساهمة المجتمعية.
ويُظهر تبرع سمو الأميرة سارة كيف يمكن لمبادرة إنسانية واحدة أن تفتح الباب لعشرات المشاريع ذات الأثر العميق، فمضخّات الأنسولين لا تنقذ حياة طفل فحسب، بل تمنح أسرة كاملة طمأنينة وتخفّف من الأعباء الصحية المستقبلية وتتيح للمصابين الصغار حياة أكثر استقلالية.
إنها سلسلة من الأثر المستدام ولو تبنّى رجال الأعمال برامج مشابهة في الصحة والتدريب ودعم ذوي الإعاقة وتمكين الأسر المنتجة وعلاج الأمراض المزمنة لكان الأثر مضاعفاً وبنتائج واضحة يمكن قياسها ضمن مؤشرات تنموية حقيقية تدعم مسار رؤية السعودية 2030.
وتؤكد هذه المبادرة أن السعودية اليوم تتقدم بثقة نحو مستقبل أكثر صحة ورفاه، لكن هذا المسار لا يكتمل دون دور فاعل للقطاع الخاص ودون إيمان راسخ بأن المسؤولية الاجتماعية ليست عملاً خيرياً موسمياً بل قضية وطنية، وهكذا يصبح تبرع سمو الأميرة سارة حرم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليس مجرد مبادرة دعم للأطفال، بل نداء وطني يذكّر بأن التنمية مسؤولية الجميع، وأن بناء مجتمع متوازن وصحي ومتماسك يحتاج إلى قلوب معطاءة وأيدٍ تبادر، ورجال أعمال يرون في العطاء استثماراً في الوطن وفي الإنسان قبل أي شيء آخر.

