أمينة خيري
يشهد العالم حالة من الحراك السياسي والاستراتيجي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري والأمني والتقني غير مسبوقة. بين صعود اليمين المتشدد في دول عدة، والتغيرات الكبرى والجوهرية والمفاجئة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وسواء كانت الدول تتابع المشهد من على مقاعد المتفرجين، أو من داخل ملاعب الحراك، فإن أكثر وأكبر ما يجمع بين الشعوب كلها هو عدم اليقين.
كشف استطلاع رأي أجرته العام الماضي شركة جلوب سكان العالمية المتخصصة في البحوث واستطلاعات الرأي العام، عن أن ثمانية بين كل عشرة أشخاص في العالم يشعرون أنهم غير قادرين على مواكبة التغيرات السريعة من حولهم، وحين طلب منهم تحديد المتغيرات، قالوا إنها تشمل كل التحولات الجارية حولهم من سياسية واقتصادية وتكنولوجية واقتصادية واجتماعية وبيئية.
ورغم ذلك، يبقى القلق وعدم اليقين سيد الشعور العالمي، لا لاختفاء وظائف ومهن بفعل المد التقني فقط، ولكن لعمليات إعادة تشكيل العالم وقواه ومصالح أنظمته، وترتيب دوله، وصعود أيديولوجيات وهبوط أخرى، وما يتصل بذلك من تأثيرات اقتصادية بالغة على ملايين البشر.
نسبة معتبرة من هذه الملايين في الشرق الأوسط، إنها المنطقة التي مرت بعقود من المعاناة تارة بسبب مقاومة الحداثة والمضي قدماً، وأخرى تحت ضغط الجماعات والحركات المتلحفة بالدين.
في ظل حراك عالمي غير مسبوق يطال كل المجالات، تطل منطقة الشرق الأوسط بخصوصية علاقاتها المتشابكة بين المصالح الإقليمية والعلاقات الدولية، وتقارب التاريخ والثقافة وتشابه الثقافة وتطابق اللغة، وكذلك تسارع وتصاعد معارك وصراعات تمتد آثارها إلى المنطقة كلها، فتجمعها حيناً وتفرقها حيناً، حان وقت التعامل الواقعي مع عالم يتغير.
الإصرار على مواجهة طواحين الهواء عبث، وبناء نظام مستدام في الشرق الأوسط يستند فقط إلى اللغة والثقافة والمودة والمحبة يضرب الاستدامة في مقتل. شرق أوسط جديد قوي، يضمن مصالح دوله، ويضمن لنفسه مكانة متقدمة في نظام عالمي جديد يتطلب التعامل مع مصالح دول المنطقة بواقعية بعيداً عن الرومانسية، وعلاج الصراعات بالدبلوماسية والضغوط، وتعزيز الاقتصاد.

