مرة أخرى، وفي ظل أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة تعصف بكيان نظام ولاية الفقيه، لجأ قادته إلى أسطوانتهم المشروخة والمتمثلة في مسرحيات العداء للغرب وترديد شعار "الموت لأميركا". ففي ذكرى أزمة الرهائن السنوية، التي يصر النظام على تسميتها بـ"الاستيلاء على وكر التجسس"، خرج علينا كل من محمد باقر قاليباف، رئيس برلمان النظام، ومسؤولون آخرون مثل نيكزاد، بخطابات رنانة حاولوا من خلالها إلقاء اللوم في كل مصائب البلاد على "الاستكبار العالمي"، في محاولة يائسة لصرف أنظار الشعب الإيراني عن المسبب الحقيقي لمعاناتهم، وهو النظام الفاسد القمعي الذي ينهب ثرواتهم ويصادر حرياتهم منذ أكثر من أربعة عقود.
تأتي هذه الخطابات في وقت وصل فيه الوضع الاقتصادي إلى حافة الانهيار الكامل. فالفقر المدقع والبطالة المتفشية والتضخم الجامح الذي أدى إلى تآكل قيمة العملة الوطنية بشكل غير مسبوق، لم يترك مجالاً للشك في أن سياسات النظام الكارثية هي التي أوصلت البلاد إلى هذا الدرك الأسفل. الاختلاسات الفلكية والفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، من أعلى الهرم إلى أسفله، حوّلت حياة المواطن الإيراني العادي إلى جحيم لا يطاق. فالشعب يرى بأم عينه كيف تُنهب ثرواته لتمويل الميليشيات الإرهابية في المنطقة وتطوير برامج الأسلحة الفتاكة، بينما يقف هو في طوابير طويلة للحصول على أبسط مقومات الحياة.
في هذا السياق، تبدو كلمات قاليباف ونيكزاد مثيرة للسخرية. فعندما يتحدث قاليباف عن "مؤامرات الأعداء لبث اليأس في نفوس الشباب" عبر وسائل الإعلام والفضاء الافتراضي، فإنه يتجاهل عمداً أن اليأس الذي يتحدث عنه هو نتيجة مباشرة لسياسات القمع والفساد وانعدام الأفق التي فرضها نظامه على هؤلاء الشباب. إن الشباب الإيراني لا يحتاج إلى "إمبراطوريات إعلامية" خارجية ليرى حقيقة واقعه المرير؛ فهو يعيشه كل يوم في بطالته وفقره وغياب حرياته الأساسية. إن اتهام الخارج هو اعتراف صريح بفشل النظام في تلبية أبسط طموحات جيل كامل، وهو محاولة بائسة لتحويل الأنظار عن عجزه وإفلاسه.
أما نيكزاد، في خطابه أمام البرلمان، فقد كرر نفس الأسطوانة، مؤكداً أن "العداء مع أميركا لن يُحل عبر المفاوضات" وأن القضية "مبدئية". هذه اللغة المتطرفة لا تهدف إلا إلى إغلاق الباب أمام أي صوت عقلاني داخل النظام قد يدعو إلى مراجعة السياسات العدائية التي عزلت إيران عن العالم ودمرت اقتصادها. إن الإصرار على أن الملف النووي وغيره من القضايا ما هي إلا "ذرائع" وأن الهدف هو "إخضاع إيران"، هو تبرير للاستمرار في نهج المغامرات الخارجية وتصدير الإرهاب، وهو النهج الذي يشكل شريان الحياة لهذا النظام. فالنظام يدرك تماماً أن أي انفتاح على العالم أو تخفيف للتوترات سيسلط الضوء أكثر على تناقضاته الداخلية ويفقده مبرر وجوده القائم على خلق الأعداء الوهميين.
وتتويجاً لهذا النهج المأزوم، تأتي تذكرة 63 عضواً في برلمان النظام للمطالبة بـ"دراسة إغلاق مضيق هرمز". هذه الدعوة، التي تتكرر كلما اشتدت الأزمات الداخلية، ليست سوى استعراض للقوة يخفي وراءه ضعفاً عميقاً. والمفارقة أن صحيفة "شرق" الحكومية نفسها حذرت من أن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة إطلاق نار على قدم الاقتصاد الإيراني قبل أي طرف آخر، حيث ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف التأمين والشحن وتوجيه ضربة قاصمة للواردات التي يعتمد عليها السوق المحلي ومعيشة الناس. هذا يكشف عن مدى انفصال صقور النظام عن الواقع، واستعدادهم للتضحية بمصالح الشعب بأكمله في سبيل الحفاظ على سلطتهم المتداعية.
إنَّ هذه المسرحيات الهزلية، من الخطب النارية إلى التهديدات الفارغة، لا تستهدف الخارج بقدر ما تستهدف الداخل. إنها رسائل مزدوجة: رسالة لإرهاب الشعب المنتفض وتذكيره بقبضة النظام الحديدية، ورسالة لطمأنة قواعد السلطة المتزعزعة وبقايا الحرس القديم بأن القيادة "صامدة" في مواجهة "الاستكبار". لكن ما لا يدركه قادة النظام، أو يتجاهلونه، أن الشعب الإيراني تجاوز هذه الشعارات منذ زمن طويل. فقد أثبتت الانتفاضات المتعاقبة، لا سيما انتفاضة 2022، أن عدوّ الشعب الحقيقي ليس في واشنطن أو أي عاصمة أخرى، بل هو في طهران — كما قال خميني عام 1981. وشعار "الموت للظالم، سواء كان الشاه أو المرشد" الذي تردّد في شوارع إيران يجسّد هذه الحقيقة بوضوح.
إنَّ نظام ولاية الفقيه يعيش حالة من الخوف الوجودي من شعبه ومن المقاومة المنظمة التي تقود نضاله من أجل الحرية. كل خطوة يتخذها، وكل خطاب يلقيه، هو انعكاس لهذا الرعب. إنهم يرون شبح السقوط في كل تجمع شبابي، وفي كل منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كل عملية جريئة تنفذها وحدات الانتفاضة داخل البلاد. إن الصراخ بشعار "الموت لأميركا" هو في حقيقته صرخة خوف من "الموت لخامنئي" الذي يتردد صداه في كل أرجاء إيران. إنها المعركة الأخيرة لنظام يحتضر، يحاول عبثاً تأجيل نهايته المحتومة عبر إشعال الحرائق في المنطقة وتصعيد القمع في الداخل. لكن تاريخ الشعوب علمنا أن إرادة الحياة والحرية أقوى من كل طغيان، وأنَّ فجر الحرية في إيران بات أقرب من أي وقت مضى.


