: آخر تحديث

كسر للخطوط الحمراء وتهديد للأمن الخليجي

1
1
1

حسين الراوي

لم تكن الضربة الجوية التي نفّذتها إسرائيل على العاصمة القطرية الدوحة حدثاً عابراً في مسار الصراع، بل هي لحظة فاصلة تعدّت كل الخطوط الحمراء. استهداف دولة خليجية عربية إسلامية بحجم قطر لا يمكن أن يُمرَّ بلا ردة فعل عربية أو إسلامية أو حتى دولية، لأن تداعياته لا تقف عند حدود قطر وحدها، بل تشمل أمن الخليج كله، بل وأمن المنطقة بأسرها.

قطر جزء أصيل من النسيج الخليجي والعربي والإسلامي. تاريخها متلاحم مع بقية دول الخليج، وشعبها لا يختلف في ثقافته وهويته وانتمائه عن أي شعب خليجي أو عربي أو مسلم. لذلك فإن اختراق سيادتها بهذا الحجم ليس مجرد تحدٍّ للدوحة وحدها، وإنما تحدٍّ مباشر لكل الخليج ودوله، وامتحان لوحدة الموقف العربي والإسلامي.

إنّ إسرائيل، بإقدامها على هذا القصف، لم تكتفِ بفتح جبهة جديدة خارج حدود فلسطين أو لبنان أو سوريا، بل تجاوزت قواعد اللعبة الإقليمية، وضربت في قلب منطقة يُفترض أنها الأكثر حساسية من الناحية الأمنية.

ما قامت به أشبه بـ «جرعة مفرطة» من التصعيد، تعني أن أي دولة عربية أخرى قد تكون لاحقاً هدفاً مماثلاً إذا ما وُصمت بأنها تؤوي أو تدعم أطرافاً لا ترضى عنها إسرائيل.

فقد استقبلت الدوحة أكثر من مرة مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع حركة «حماس»، خصوصاً في ملف الأسرى الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية...

وكانت الضربة صادمة ومدوّية، ليس فقط للدوحة بل لكل المراقبين الذين رأوا فيها خرقاً صارخاً لكل الأعراف الدبلوماسية.

الأدهى من ذلك، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يترك مجالاً للشك في أنه زعيم دموي متهوّر، لا يعترف بأي خطوط حمراء ولا قوانين دولية، وأنه لا يفكّر إلّا في مصالحه الشخصية ومصالح حزبه السياسي الضيق. مثل هذا السلوك يجعل المنطقة كلها عرضة لمغامرات غير محسوبة، ويؤكد أن إسرائيل في ظل قيادته تتحرّك بمنطق الغطرسة لا بمنطق القانون الدولي.

أما الولايات المتحدة، فموقفها يثير الاستغراب والمرارة في آن واحد. فهي الدولة التي لا تتردد في التهديد والوعيد، وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على دول تُصنَّف «مارقة» أو «خارجة عن القانون»، لكنها أمام إسرائيل تغض الطرف، بل تتركها «تسرح وتمرح» بطائراتها وعملياتها الاستخباراتية في كل الاتجاهات من دون رادع.

هذا الكيل بمكيالين يُفقد واشنطن مصداقيتها كقوة عالمية تدّعي الدفاع عن القانون الدولي، ويعزّز الشعور لدى شعوب المنطقة بأن هناك قانوناً واحداً يُفرض على الضعفاء، وآخر يُعفى منه الأقوياء المدعومون أميركياً.

الرسالة إذاً بالغة الخطورة: الأمن الخليجي لم يعد محصّناً من مغامرات عسكرية مفاجئة، والسيادة لم تعد بالضرورة خطاً أحمر عند حسابات القوة الإسرائيلية. وهذا يستدعي وقفة خليجية وعربية جماعية تعيد التأكيد على أن أمن قطر هو من أمن الخليج كله، وأن التفريط فيه يعني تعريض المنطقة كلها للاهتزاز.

السؤال الملح الآن: ماذا بعد الضربة؟

هل يكتفي العالم بالشجب والبيانات، كما اعتاد، أم أن هذه المرة ستكون بداية مسار جديد، حيث يُرسم خط أحمر فعلي، يوقف تمدد النار قبل أن تحرق بقية الأطراف؟

الدوحة اليوم ليست وحدها، فهي تقف على أرضية مشتركة مع كل خليجي وعربي ومسلم يرى أن ما جرى ليس مجرد قصف، بل اختبار لإرادة الشعوب والدول في الدفاع عن سيادتها وكرامتها.

‏حفظ الله قطر وشعب قطر، وحفظ الله جميع دول الخليج وشعوبها...


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد