خيرالله خيرالله
يشير استهداف إسرائيل قيادات في «حماس» موجودة في الدوحة، إلى أنّ حكومة بنيامين نتنياهو لم تعد مهتمة بأمرين. الأوّل مصير الإسرائيليين الذين تحتجزهم «حماس» منذ شنها هجوم «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023 مستهدفة مستوطنات غلاف غزّة.
لم يعد الرهائن ورقة تستطيع «حماس» استخدامها، ما دام لا فارق لدى إسرائيل، بقي الرهائن على قيد الحياة أم لا. ثمّة جنون إسرائيلي ليس بعده جنون يتمثل في الاعتقاد بأن الدولة العبريّة تستطيع أن تفعل ما تشاء في أي مكان تشاء وأن على الجميع في المنطقة الانصياع لرغبة عقول مريضة مثل عقل نتنياهو أو إيتمار بن غفير أو بتسلئيل سموتريتش.
الأمر الآخر الذي لا بدّ من التوقف عنده، أن إسرائيل في ظلّ الحكومة الحالية تعتبر نفسها فوق القانون وتمتلك حرية ممارسة «إرهاب الدولة»، على حدّ تعبير رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمّد بن عبدالرحمن.
مع ما يعنيه ذلك من إصرار لدى «بيبي» نتنياهو على متابعة خوض حرب غزّة إلى النهاية... أي إلى تهجير مليوني فلسطيني من أرضهم.
لم تنجح العملية الإسرائيليّة التي نفذت في الدوحة في تحقيق أهدافها. يبدو أن أفراد الفريق «الحمساوي»، الذي كان يفاوض من أجل إنهاء حرب غزّة، نجوا من الضربة.
يظهر الإصرار الإسرائيلي على استهداف «حماس» في قطر، في الوقت ذاته، توجّهاً إسرائيلياً إلى تقديم حرب غزّة على كلّ ما عدا ذلك... بات على كلّ دولة من دول المنطقة، التعاطي مع إسرائيل بحذر شديد، كما يفعل الملك عبدالله الثاني منذ فترة طويلة، من منطلقات مختلفة.
يختزل الوضع القائم الكلام المهمّ الذي صدر عن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد في الدوحة حيث التقى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. قال محمّد بن زايد: «يشكل الاعتداء (الإسرائيلي) انتهاكاً لسيادة قطر وجميع القوانين والأعراف الدولية ويقوض أمن المنطقة واستقرارها وفرص السلام فيها». ما يبدو على المحكّ كيف التعاطي مع إسرائيل من الآن فصاعدا؟ مثل هذا السؤال تطرحه على نفسها كلّ دولة من دول المنطقة، بما في ذلك تلك التي وقّعت اتفاقات مع الدولة العبريّة.
تجد دول المنطقة نفسها أمام إسرائيل جديدة لا تمتلك أي اهتمام بـ«فرص السلام»، بل ان السلام بالنسبة إلى نتنياهو، إما يكون على الطريقة الإسرائيلية، أي سلام يكرّس الاحتلال في فلسطين وسوريا والهيمنة على الصعيد الإقليمي، أو لا يكون...
يبدو أنّ إسرائيل باتت في غنى عن وسطاء مع «حماس». كلّ ما تريده هو الانتهاء من الحركة التي لم تعد فائدة من وجودها، خصوصاً في مجال تكريس الانقسام الفلسطيني... وإيجاد مبررات إسرائيلية للامتناع عن دخول أي عملية سلام.
أما النقطة المهمّة الثانية فهي مرتبطة بالموقف الأميركي. أثبتت إدارة دونالد ترامب مرّة أخرى أنّها لا تمتلك سياسة مستقلّة عن السياسة الإسرائيليّة. لا دور أميركيّاً في وقف حرب غزّة التي تحوّلت إلى مأساة إنسانية لا شبيه لها في القرن الواحد والعشرين.
تركت أميركا - ترامب اليمين الإسرائيلي يأخذ المنطقة كلّها إلى المجهول. حسناً، أبدى الرئيس الأميركي استياءه من ضربة قطر حيث توجد قاعدة عسكرية أميركية في العديد، لكن ماذا بعد ذلك؟
الثابت أنّ الاستثمار في «حماس» لم يكن مجدياً... انقلب السحر على الساحر. ارتدّت كل الحروب التي افتعلتها إيران بعد حرب غزّة عليها. في حين لم تجد إسرائيل ما تفعله سوى إظهار مدى قوتها العسكرية وقدراتها على شنّ حروب عدة في الوقت ذاته.
ماذا بعد ذلك؟ لا مفرّ في مرحلة معيّنة من طرح إسرائيل على نفسها أسئلة من نوع ما العمل بكلّ ما تمتلكه من جبروت؟ هل يسمح لها ذلك بأن تكون الحاكم الفعلي للمنطقة في غياب السياسة الأميركيّة؟
لا شكّ أنّ كلّ دولة عربيّة ستطرح على نفسها أسئلة تتعلّق بكيفية التعاطي مع إسرائيل بحكومتها الحالية. الأمر نفسه ينطبق على تركيا التي تمتلك أيضاً طموحات خاصة بها والتي ربطتها علاقة متميّزة مع قطر و«حماس» في الوقت ذاته.
إذا كانت الضربة كشفت شيئاً، فهي كشفت الغياب الأميركي وكشفت مدى خطورة حكومة إسرائيليّة على رأسها شخص اسمه بنيامين نتنياهو لا يحترم أي اتفاقات أو أي مواثيق... ويعتقد أنّ في استطاعته تحقيق حلم مستحيل اسمه «إسرائيل الكبرى».
تبقى نقطة أخيرة تتعلّق بـ«حماس» نفسها والدور الذي لعبته منذ قيامها في العام 1987 بينما يحتاج المشروع الوطني الفلسطيني سنوات طويلة لاستعادة عافيته والنهوض مجدّداً.