توفي الصديق والحبيب والشريك «يعقوب يوسف خالد الغنيم»، شقيق العزيزة سارة، وأخواتها، قبل أيام في لندن، وسيوارى جسده الثرى صباح يوم غد (السبت) في مقبرة الصليبخات، بعد عمر قارب الـ86 عاما، قضاها سعيدا خاليا من القضايا والمشاكل، محبا للجميع، وبعيدا عن الكويت، لم يدع أخبارها تكدّر حياته، وان استمر في تتبعها، عن كثب.
كان يوما صيفيا جميلا من عام 1985، عندما عرفني صديق العمر «يعقوب الجوعان»، على سميه «يعقوب الغنيم»، الضابط السابق في الجيش، وصاحب المكتب العقاري في «الوست إند». كنت يومها أبحث عن مكتب لأعمالي التجارية، فعرض علي المرحوم استخدام جزء من مكتبه، للعمل من خلاله، ووضع بتصرفي، مجانا، كل تسهيلات المكتب، ورفض تقاضي أي مقابل مادي عن ذلك، ولم ولن أنسى له يوما ذلك المعروف.
وفي يوم عرض علي مشاركته في الاستحواذ على عمارة خالية تتكون من أربعة طوابق بخلاف السرداب، كانت السكن الخاص لعائلة «بورتمان Portman»، اليهودية الثرية والعريقة، قبل انتقالها للعيش خارج لندن، والتي امتلكت كل منطقة بورتمان الشهيرة، التي سميت باسمها، حيث يقع الميدان وفندقا راديسون ساس وتشرشل، وفرعا بنك الكويت الوطني والمتحد، قديما، وعشرات العمارات الأنيقة الأخرى.
اختار يعقوب لنفسه الجزء الواقع على زاوية شارعي جورج، وكلوستر، واخترت الجانب الخلفي من الطابق الأرضي، الذي كان عبارة عن صالة رقص Ballroom واحتفالات الأسرة، وقمنا بتأجير بقية الطوابق لشركات اخرى. أما السرداب فقد احتوى على خزانة حفظ مقتنيات الأسرة الثمينة، وكانت ذات باب حديدي يعود تاريخه لقرابة 150 عاما. وكان المبنى، بكل تفاصيله، جزءاً من التراث البريطاني، لا يجوز إجراء أي تعديل على اي جزء منه دون موافقة الجهات المعنية.
ولد أبو يوسف، الذي اختار أن يبقى على فلسفة أبو العلاء المعري، دون زواج ولا ابناء، عام 1939 والتحق بالكلية الصناعية قبل أن يصبح ضابطا في الجيش ويخضع لفترة تدريب في بريطانيا، ومن يومها بدأ عشقه لبريطانيا ولـ«فيرا»، ليستمر الأمران معه حتى وفاته. فخلال نصف قرن تقريبا لم يعد للكويت إلا ثلاث أو أربع مرات لتلقي العزاء بمن فقد من أهل وأحبة.
عين في منتصف الستينيات ملحقا عسكريا في مصر، وعايش حربي 1967 و1973، قبل ان يقبل عرضا مغريا للتقاعد المبكر، ويترك الكويت لأهلها، ويولي وجهه شطر لندن، عشقه الدائم، ولم يهتم يوما بكل ضجيج سوق المناخ والارتفاعات الهائلة في اسعار الأراضي، والصفقات التجارية الضخمة، حيث لم تعن له شيئا، ولم اسمع منه يوما تحسرا على فقدها، فقد كان روتين حياته، وهو البوهيمي الأنيق، يعني له كل ثروات الكون.
كانت تجمعني به، بخلاف شراكة المكتب والعمارة، أمور كثيرة، جمعتنا نفسيا وعاطفيا. وكان يتسم بروح مرحة، ويمكن الاعتماد عليه في الملمات، صادق الوعد والعهد، ملتزما بمواعيده، أمينا في تعامله، ومثاليا في اختيار من يحب، خبيرا بالنفس البشرية، وبان جمال معدنه خلال فترة الغزو والاحتلال العراقي حيث كان عونا للكثيرين.
كما كان الراحل صاحب تجارب طريفة وجميلة، دخلناها معا. وكان من عشاق سباقات الخيل، خبيرا بكل أنواعها، ومواعيدها، ومعرفة بكبار ملاكها، وتاريخ كل فرس، وجوكي، وكان بمنزلة موسوعية متحركة، وكان الكثيرون يقصدونه لنصيحة أو Tip عن احتمالات فوز هذا الحصان أو ذلك الفرس.
كان شخصا مميزا ومتميزا احبه كل من عرفه، وسأترك سرد أمور كثيرة أخرى عن علاقتنا، لسيرتي الذاتية، المتواضعة، والمليئة بمختلف الألوان.
نتقدم لأسرة الغنيم والغانم، والقطامي بأحر وأخلص تعازينا.
مرفق بهذا المقال صورة للمرحوم، فقلة، من غير رواد لندن، يعرفون صورته.
أحمد الصراف