ضياء رشوان
بالقطع لم تكن هي المرة الأولى التي نسمع فيها الحديث عن إسرائيل الكبرى، فقد تناثرت الإشارات إليها في كتابات وكلمات وتصريحات لعديد من رموز الحركة الصهيونية قبل إقامة دولة إسرائيل عام 1948، وبعدها لمجموعات أخرى منهم.. ولكنها على الأرجح المرة الأولى منذ قيام هذه الدولة، أن يصرح أي مسؤول سياسي رسمي إسرائيلي بأن مشروعه المستقبلي هو إقامة إسرائيل الكبرى، والأخطر أنه رئيس وزراء إسرائيل الحالي والأطول حكماً في تاريخها القصير كله لمدة 17 عاماً حتى الآن، والذي فعلها قبل أيام قليلة في حديث صحفي له.
إسرائيل الكبرى في المفهوم المتداول في أوساط اليمين الصهيوني، تستند إلى ما جاء في الإصحاح رقم 15 من سفر التكوين في العهد القديم من الكتاب المقدس، من ميثاق عقده الله مع نبيه إبراهيم قائلاً له: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات. وقد تجاهلت هذه الأوساط الصهيونية أن نفس السفر قد أورد في الإصحاح التالي (16) أن الولد الأول للنبي إبراهيم هو إسماعيل من زوجته هاجر المصرية، والذي لحق به الثاني إسحق (إسرائيل) بعد أكثر من 13 عاماً، وقصرت هذا الوعد الإلهي على نسل إسحق وحده، ليتحدثوا عن إسرائيل الكبرى التي تمتد على تلك المساحة من الأراضي.
ولكي تتضح أكثر ملامح تلك الدولة المزعومة المتخيلة التي يسعى إليها اليمين الصهيوني، فهي تضم بحسب تفسيرهم لنصوص الإصحاح رقم (15) المشار إليه، كامل فلسطين التاريخية، ولبنان، و الأردن، وأكثر من 70 بالمئة من مساحة سوريا، ونصف مساحة العراق، وربع مساحة مصر، بمساحة إجمالية تقارب مليون كيلومتر مربع، أي قدر مساحة مصر كاملة.
أن يتبنى علناً المسؤول الأول في إسرائيل، وللمرة الأولى لأي مسؤول منذ قيامها، السعي لتطبيق هذه الرؤية الواهمة المستندة لتفسيرات متطرفة، فهذا يفتح الأبواب واسعة أمام احتمالات غاية في الخطورة على المستقبل القريب والحال للمنطقة كلها، بل والعالم بأكمله. فهيمنة الفكر المتطرف على هذا الطرح تبدو كاسحة، بما يخرجه تماماً عن أي منطق سياسي، حتى لو كان يمينياً متشدداً، فحتى غلاة المسؤولين اليمنيين التقليديين المتشددين الإسرائيليين، مناحم بيجن، وإسحق شامير، وأرييل شارون، لم يطرح واحد منهم مثل هذه الرؤية، وعقد أولهم معاهدة السلام مع مصر وقام الثالث بسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وتفكيك كل المستوطنات التي كانت بها. وهذه الهيمنة المتطرفة تفتح الباب واسعاً وبصورة جدية أمام احتمالات شديدة الخطورة للإقدام على مغامرات عسكرية وسياسية تستند إليها، وتحلق في فضاءات الوهم لتحقيق الرؤية المتوهمة، بما يدخل المنطقة كلها في مرحلة غير مسبوقة من الصدام العسكري، قد تجر العالم كله وراءها إلى ما لم يسبق تصوره.
وليس هذا فقط، فهذا التبني الرسمي الإسرائيلي على أعلى مستوى لدولة إسرائيل الكبرى، التي ستشمل احتلالاً وضماً دائمين لأراضي دول عربية بخلاف فلسطين، لن يغلق فقط وللأبد أي مشروعات للسلام الإقليمي ودمج إسرائيل في المنطقة، بل سيدخل إلى ساحة الصراع العسكري كل هذه الدول مع إصرار حكوماتها وشعوبها الطبيعي والمنطقي على مقاومة الاحتلال والضم لأراضيهم. ولنا أن نتصور ما يمكن أن يؤدي إليه هذا، حتى لو كانت الخطة الإسرائيلية المتطرفة أن يتم على مدى زمني أطول، من جر للدولتين الأخريين غير العربيتين في المنطقة، أي إيران وتركيا، بصورة شديدة التسارع إلى ساحة الحروب الإقليمية.
وفي ظل الأهمية الفائقة لمنطقتنا استراتيجياً واقتصادياً ونفطياً وتجارياً، وتقاطع مصالح عالمية هائلة بداخلها وعلى حدودها البرية والبحرية والجوية، لنا أن نتخيل الانزلاق شديد السرعة والسهولة إلى ما سعى العالم لتجنبه طوال ثمانين عاماً: حرب عالمية ثالثة، لن تكون أبداً بحكم التطور الهائل في التسليح والتكنولوجيا كسابقتيها، فقد تكون حصيلتها الأخيرة هي نهاية العالم الذي نعرفه.