: آخر تحديث

الثلاث لاءات

4
4
3

جزء من الرأي العام للأسف يتفاعل، في الكثير من الأحيان، مع أي قرار يصدر في أي مجال، خصوصاً التي تمس حياتنا اليومية أو مستقبلنا، بعاطفة وردود فعل سريعة، بناء على أحكام غير منطقية وتفسيرات وفق النوايا والمصالح، قد تصل في بعض الأحيان إلى المستوى الكارثي.

قبل أن يأخذ القرار طريقه للتنفيذ والتطبيق، أو قبل أن تتضح الصورة، وتبدأ ملامح نتائجه بالظهور، يبدأ الهجوم والرفض والانتقاد، في محاولة لدفنه في مهده، أو تعديله بالاتجاه الذي يتوافق مع التوجّه أو المصلحة لهذه الفئة، مع استخدام بعض مفردات الترهيب والتهديد.

وإذا ما واجهت ردود الفعل هذه جبهة ضعيفة رخوة، فسيترنح القرار ويهتز، لينجحوا في تعديله وفق ما يريدون هم.. لا مصلحة الوطن أو القضية الأساسية.

وكان لنا في ذكريات مجلس الأمة، في آخر سنواته، الأمثلة الكثيرة في هذا الموضوع.

عندنا في الكويت، غالباً ما تنطلق جوقة الرفض، لا على أساس دراسات أو أرقام، ولا حتى على أساس تجربة واقعية، بل على قاعدة واحدة: اللاءات الثلاث: الاولى: «لا» قبل أن نسمع، والثانية: «لا» قبل أن نرى، والثالثة: «لا» قبل أن نفهم.

وهذا موضوع أخطر ما يواجه أي قرار إصلاحي في أي مجتمع، بمعنى أن الرفض العشوائي المبني على الاشاعة لا الحقيقة أمر في غاية الخطورة، خصوصاً مع وجود واجهة رخوة مترددة وخائفة لا تعرف المواجهة، والتشدد بالموقف إذا كان القرار مبنياً على دراسة وافية وواقعية في كل محاوره.

من كل التجارب، التي مررنا بها في الكويت، يبدو أن فقدان الثقة بالمصادر الرسمية يزيد من الشكوك في كل خطوة حكومية، حتى قبل أن تُشرح وتطرح تفاصيلها، مما يدفع بقوة إلى الرفض أو الانتقاد.

وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً وداعماً في هذا الموضوع، مما يعزّز الإشاعات ويغذّي ردود الفعل الرافضة أو التخوف منها.

وعندما يتحوّل الرفض إلى اعتراض لمجرد الاعتراض، تكون ثقافة الاعتراض الدائم أكبر مسمّم للتنمية، وداء ينهش ويربك مسيرة الانطلاق والإصلاح في المجتمع، فيتحوّل الرفض إلى رد فعل تلقائي، يأخذ برجله الصالح قبل الطالح من القرارات.

هذا الجانب من شأنه إرباك الرأي العام، ويضيع الصوت العقلاني، خصوصاً عندما لا يجد ما يسنده من الجانب الحكومي.

وأنا هنا أركّز على عامل الوقت والتوقيت في نشر المعلومة، فالشفافية من قبل الجهات الرسمية مطلوبة بوقتها، من خلال نشر تفاصيل أي قرار تصدره بلغة مبسطة وأرقام واضحة ومقنعة، قبل أن تتمدّد المعلومات الخاطئة وغير الدقيقة.

النقد مطلوب، وقد يكون واجباً في بعض الحالات، شرط أن يستند إلى معلومة صحيحة ودراسة واضحة، أما الرفض العشوائي فهو أسوأ من القرار الخاطئ، لأنه يقتل الثقة، ويُفقدنا القدرة على الإصلاح، ويتركنا ندور في دائرة مغلقة من السلبية.

أهم سؤال يجب أن نطرحه عند نشر أي معلومة هو: ما مصدرك؟

يبقى السؤال: متى نتعلّم أن نُفرّق بين النقد الواعي والرفض من أجل الرفض؟

إقبال الأحمد


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد