عبده خال
كل موسيقار له عمق نفسي، لا يشاركه في ذلك العمق سوى ذاته.. إلا أن لهذه النفس تجلياتها، تلك التجليات تفيض على الآخرين بما تجود به من وجدانيات.
والفن له أيقوناته في جميع حقول الفنون (كالكُتّاب أو الملحنين أو الرسامين إلخ...)، تلك الأيقونات هي الوميض الساري عبر الأزمان، إذ تتحول حياتهم إلى إضاءات تضيء في دروب الحياة العامة، كما تتواصل إضاءاتهم عبر الزمن.
وكثير منا يتبع وهج تلك الإضاءات من خلال التنقيب والبحث عن قصص وأحداث أولئك الذين لوّنوا حياتنا بالفنون المختلفة..
وفي محيطنا الجغرافي هناك عشرات الرموز الوطنية التي لوّنت حياتنا فنّاً وإبداعاً، وربما جانبنا التقصير كوننا لم نمنح تلك الرموز ما يوازي جهودها في بذل حياتهم لكي نسعد، ربما حدث أو يحدث هذا إلى الآن.
الفنان ليس ملكاً لذاته، هذه حقيقة نتقاسمها مع كل مبدع سواء أكان ملحناً أو مطرباً أو كاتباً.. الدنيا هي من تشاركنا وجدان المبدعين إبداعاً وحياة، ومن هذا المنطلق يكون أقل القليل الإشادة بمنجز رموزنا الوطنية. الآن، وأنا أكتب، طرأ في البال الموسيقار طلال، وحقيقة، عرفت الساحة الفنية السعودية الموسيقار طلال منذ بداية الثمانينات، وفي رصيده الفني أكثر 800 أغنية، وقد فاضت ألحانه، وتغلغلت بين صدور المغنين الذي طربوا وأطربونا بالكلمات المغناة، وألحان الموسيقار طلال، وتعاونه وإسهاماته لم تقتصر على المطربين المحليين، وإن كانت بعض أغاني محمد عبده وطلال مداح سكنت أنفسنا، ونحن لا نعرف أنها من ألحان الموسيقار طلال، ولأن الزمن تقدم، وارتفعت نسبة الوعي، وحذاقة المستمع حينما يسأل ويبحث عن كاتب الكلمة وملحنها، وبهذا الوعي سنمنح الموسيقار طلال كل التقدير الذي أهملناه في زمن لم نحرص على معرفة كاتب الأغنية وملحنها، فموسيقاه تجاوزت الجغرافيا المحلية، وغنت له عشرات الحناجر الطربية، ولو أردت سرد بعض أولئك المطربين والمطربات الذين غنوا للموسيقار طلال فسأبدأ بالقمم: طلال مداح، محمد عبده، وردة الجزائرية، نجاة الصغيرة، ماجدة الرومي، هاني شاكر، كاظم الساهر، صابر الرباعي، آمال ماهر، وأنغام، وعالمياً لحن للشاب خالد، وسعد لمجرد وهذه الأصوات حظيت بكلمات لكبار كتاب الأغنية على المستوى المحلي، والعربي، فقد لحن كلمات لبدر بن عبدالمحسن، وعبدالله الفيصل، وخالد الفيصل، ونزار قباني، وطلال حيدر، وحسين السيد، ومأمون الشناوي، وعبدالرحمن الأبنودي، ونزار فرانسيس.
الموسيقار طلال أمسك بأعذب الأصوات الغنائية، وأعذب من كتب الأغنية..
ولأني دائماً أنتصر للسرد، أصبت بالهلع فهذا الكم المهول من نجوم الغناء والكتابة، تجمّعوا تحت معزوفات موسيقار واحد، وتساءلت: كم حكاية حدثت بين الموسيقار طلال وبينهم؟ أجزم أن هناك حكاية لكل أغنية خرجت للجمهور، وكم أثراً سيتجلى من تلك القصص؟ بالتأكيد هي ثروة قصص وأحداث عظيمة ستكون ديواناً حكائياً لكل تلك الأغاني.
وما زلت أتلمس تلك الحكايات، فلربما استطعت كتابتها ذات يوم.
** **
تذكر في يوم الفراق.. لما وقفت أودعك مين رجعك
ناديت يا عمري أبيك.. وبكيتها عيوني عليك وتركتني الله معك
لا تقول أحبك لا تقول.. عالي السكوت ما أسمعك
مين رجعك.. آه مين رجعك.
كلمات المرحوم بدر بن عبدالمحسن
وألحان الموسيقار طلال.