: آخر تحديث

بريطانيا والكابوس المحتمل

12
10
9

قد تكون تَحوُّلات اللون في أوراق الشجر من الأخضر إلى الأصفر، ثم توالي تساقطها وتراكمها على الأرصفة وتحت الشبابيك وعتبات البيوت، علامة على حلول فصل الخريف لدى أغلب الناس. حلول شهر سبتمبر (أيلول) علامة أخرى متفق عليها في روزنامة خبراء الأرصاد الجوّية. عودة التلاميذ إلى مدارسهم، ربما تكون أكثر العلامات وضوحاً في أغلب بلدان العالم على قدوم الخريف.

في بريطانيا، بالإضافة إلى ما سبق ذكره من علامات، هناك علامتان أخريان: عودة نواب البرلمان من إجازاتهم الصيفية، وبدء انعقاد المؤتمرات السنوية لكافة الأحزاب.

هذا الخريف تميّز بكون حزب الإصلاح البريطاني اليميني الشعبوي بقيادة زعيمه نايجل فاراج كان أول المبادرين بعقد مؤتمره السنوي في مدينة بيرمنغهام.

في الخريف الماضي، كان مؤتمر حزب الإصلاح البريطاني هامشياً، لم يستثر شهية وسائل الإعلام، ولم يستقطب اهتمام رجال الأعمال والساسة. تغيّر الحال هذا الخريف. أُحِيطَ انعقاد مؤتمر الحزب وجلساته بهالة إعلامية غير عادية، تُمنح في العادة للحزب المرشّح لتولي السلطة، أو الحزب الحاكم في أول مؤتمر له بعد اجتيازه بنجاح عقبة الانتخابات النيابية.

ثلاثُ سنوات أخرى تفصل بريطانيا عن الموسم الانتخابي، ما لم تتبدل الظروف. ورغماً عن ذلك، فإن حزب فاراج الشعبوي يبدو، في مؤتمره السنوي هذا العام، وكأنه يقف على عتبة 10 داوننغ ستريت، في انتظار تسلّم المفاتيح. الأخبار تؤكد أنه تم تأسيس شعبة بالحزب مؤخراً أطلق عليها اسم: «شعبة الإعداد لتولي الحكومة».

التقارير الإعلامية تقول إن حزب الإصلاح جاء الأول بصفة متتالية في 109 استبيانات للرأي العام، أي طيلة خمسة أشهر متوالية. الحزب الآن يتفوق بنسبة 35 نقطة مقابل 20 نقطة لحزب العمال الحاكم. عدد فروع الحزب، استناداً إلى نايجل فاراج في خطابه بالمؤتمر السنوي، ارتفع إلى 450 فرعاً. عدد الأعضاء وصل إلى 240 ألف عضو. وعدد ممثليه المنتخبين في المجالس البلدية يصل إلى 870 شخصاً.

حين يريد الليبيون وصف شخص محظوظ، يقولون: «تْحَطّبلَه الريح» كناية عن حُسن الحظ. أي إنّه لا يحتاج في بيئة صحراوية إلى إرهاق نفسه في تجميع الحطب، لأن الريح تتكفل بذلك، وتأتيه محمّلة بحاجته منه. ونايجل فاراج، على الأقل، في الشهور الأخيرة، ينطبق عليه المثل الشعبي الليبي، نتيجة الارتباك المتواصل الذي تعانيه حكومة كير ستارمر العمالية منذ وصولها إلى السلطة في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، بسبب غياب الاستراتيجية وضمور النمو الاقتصادي والعجز في الميزانية، وموقفها مما يحدث في غزّة من إبادة جماعية على أيدي إسرائيل والغضب الشعبي الذي أثارته. مضافاً إلى ذلك، الإحباط الذي يعمّ البريطانيين من سوء الأحوال وارتفاع الأسعار وتفاقم أعداد المهاجرين غير القانونيين الواصلين إلى شواطئ بريطانيا على قوارب مطاطية من الضفة الفرنسية للقنال الإنجليزي.

آخر ما حطّبته الريح لنايجل فاراج، حزمة كبيرة لافتة للأنظار، تمثلت أولاً في انضمام وزيرة سابقة من حزب المحافظين اسمها نادين دوريس إلى حزب الإصلاح عشية انعقاد المؤتمر. وتلت ذلك استقالة نائبة رئيس الحكومة والحزب أنجيلا رنيير، بسبب فضيحة ضرائبية. الفضيحة أدت إلى استقالتها، وقيام رئيس الحكومة بإحداث تغييرات في فريق وزراء حكومته. تزامن ذلك، في يوم استعداد زعيم حزب الإصلاح البريطاني نايجل فاراج للظهور على المسرح، تحت بريق الأضواء لإلقاء خطابه في المؤتمر السنوي. فسارع بتقديم خطابه ثلاث ساعات قبل الموعد المحدد، كي يتمكن من طرق الحديد وهو ساخن، راكباً أعلى خيله. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد التقارير الإعلامية أن حزب الإصلاح البريطاني أضحى يشكل تهديداً انتخابياً في اسكوتلندا للأحزاب الأربعة الرئيسة. وهناك احتمال أن يتمكن من الإطاحة بالحكومة العمالية المحلية في إقليم ويلز.

في عام 2011 أصدر نايجل فاراج مذكراته في كتاب بعنوان: «ثور مقاتل». تشبيه نفسه بالثور لا يبدو غريباً. فنايجل فاراج، لمن يعرفونه، لا يتردد ولا يتورع عن نطح كل من يقف في طريقه، سواء أكان من اليمين أم من اليسار.

وها هو الآن يرى نفسه واقفاً، قاب قوسين أو أدنى، من ذلك المبنى التاريخي الشهير بالرقم 10.

فهل يتحقق حلم الثور المقاتل نايجل فاراج ويتنسّم المنصب، ويتبوأ الشعبويون حكم واحدة من أقدم قلاع الليبرالية في العالم، وتعيش بريطانيا في كابوس؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد