: آخر تحديث

زيارة بتوقيت المستقبل

2
2
2

جمال الكشكي

التوقيت فارق.. الإقليم يتحدث عن ضرورة الوحدة والتماسك..الحفاظ على الأمن القومي العربي يتطلب رؤية مشتركة للقفز فوق أسوار الخطر. في هذا الإطار، استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة، كإعلان سياسي واضح أن البديل العربي حاضر، وأن المنطقة ليست ساحة فراغ، تنتظر من يرسم لها مستقبلها.

الاستقبال الحافل الذي حظي به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، لم يكن مجرد لقاء دبلوماسي، إنما كان رسالة مهمة بأن العلاقات الإماراتية - المصرية تعكس إدراكاً مشتركاً بأن اللحظة الإقليمية لا تحتمل الحياد أو التردد، وأن التنسيق بين الإمارات ومصر والدول العربية هو الضمانة الأهم لبقاء التوازن العربي في مواجهة مشاريع الهيمنة.

إسرائيل تحاول عبر محرقة غزة أن تفرض منطق التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، بينما تتخذ الإمارات ومصر موقفاً موحداً، يقوم على رفض كل مخططات الترحيل القسري، أو إعادة إنتاج «الوطن البديل» للفلسطينيين. هذا الموقف لم يعد مجرد خطاب سياسي، بل تحرك عملي، تجلى في الوساطات المصرية المتواصلة لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وفي التحركات المصرية النشطة في المحافل الدولية لوقف العدوان والضغط من أجل حل سياسي، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني.

اللقاء في العلمين، وسط أجواء هذه المأساة، جاء ليؤكد أن الشراكة بين الإمارات ومصر ليست وليدة ظرف طارئ، بل امتداد لعلاقة تاريخية تراهن على المستقبل وتتمسك بالثوابت، وعلى رأسها مركزية القضية الفلسطينية في وجدان العرب. الأهمية الأكبر لهذا اللقاء تنبع من أن التعاون الإماراتي - المصري تجاوز منذ سنوات حدود التضامن السياسي إلى بناء تحالفات استراتيجية متكاملة.

في ذروة الضغوط الاقتصادية العالمية، ضخت الإمارات استثمارات غير مسبوقة في الاقتصاد المصري، أبرزها صفقة مشروع رأس الحكمة التي قاربت 35 مليار دولار، في أكبر استثمار منفرد في تاريخ مصر الحديث.

هذا التوجه يعكس رؤية إماراتية بأن دعم الاستقرار الاقتصادي في مصر هو دعم للاستقرار الإقليمي برمته، فيما تنظر مصر للإمارات باعتبارها شريكاً استثمارياً وتنموياً بعيد المدى، تتجاوز معه العلاقة منطق الشراكة الطارئة إلى شراكة مستدامة تقوم على المصالح المتبادلة.

في المقابل، فإن البعد الأمني للعلاقة لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي، الإمارات ومصر تنطلقان من قناعة أن أمن الإقليم، لا يمكن أن يظل رهن التدخلات الخارجية أو رهانات القوى الكبرى، بل يجب أن يكون ثمرة تعاون عربي داخلي، ومن ليبيا إلى البحر الأحمر، ومن القرن الإفريقي إلى شرق المتوسط، كان التنسيق بين البلدين حاضراً في كل الملفات الساخنة، يعكس توافقاً استراتيجياً على أن استقرار المنطقة شرط لبقائها وتقدمها.

في زمن تعصف فيه الفوضى بعدد من دول الجوار، يظهر النموذج الإماراتي - المصري، بوصفه التجسيد الأوضح لإمكانية الجمع بين الأمن والتنمية، وبين الحزم السياسي والرؤية الاقتصادية. إن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ليست مجرد حدث ثنائي بين بلدين تجمعهما علاقات وثيقة، لكنها حدث إقليمي يكرس فكرة الاستقلال الاستراتيجي العربي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد