: آخر تحديث

نظرة مقربة إلى الحارس والبوابة

1
4
2

بين كل عالم وآخر حدود. وعلى الحدود بوابة. وعلى البوابة حارس.

الحارس أقربنا إلى العالم الآخر. هو من يراه بعينيه، ويحتكر المعلومات الواصلة إلينا عنه. وهو من يسمح بالمرور إليه، فإن كان ذاك العالم الآخر عالماً ممنوعاً صار الحارس أقربنا إلى الممنوع، وأكثرنا التصاقاً به، وأقدرنا على أن يرتع فيه. والحارس بهذا المعنى يمكن تسميته، الواصل، فهو أيضاً حلقة الوصل بين العالمين، بل حلقة الوصل الوحيدة. وهذا موقع حساس، لا يحب أن يشاركه فيه أحد، يغري بتربح يتناسب طردياً مع درجة المنع.

ما هذا الموقع الفريد؟! وما مسارات الوصول إليه؟ كيف تصير حارساً تحمي من العالم الآخر، العالم الشرير؟

في بداية اهتمامي بمتابعة الصحف، لفتني ولع الصحافة الآيديولوجية بتسميات مثل: الحارس، المراقب، المرصد، النذير. لم تكن مجرد أسماء، بل إعلان رغبة في احتكار هذا الموقع المتحكم بين العالمين، بسلطة حارس الحقيقة ومالك المعرفة المؤهل للتحذير.

هذا إذن أحد مسارات تبوّء الموقع الفريد، أن تدعي لنفسك أحقية به، لكنه يظل ادعاءً، لا يمنح القدرة على ممارسة دور. المشكلة تبدأ حين تضطلع بالدور، مهما كان صغيراً، وصلت إليه بلا عناء، ووقع بين يديك بالصدفة.

موظف بسيط امتلك المفتاح إلى عالم اللوائح. لن تنجز أمورك إلا إن سمح لك بالمرور، وإن لم يفعل عطل حياتك بالقانون. تعلمتَ بالخبرة أن تقلق إن بادر هذا الموظف بالتشديد على صرامة اللوائح، وصعوبة إنجاز الطلب. تعلم في قرارة نفسك أن هذا ليس غرضَ القواعد. ربَّما يكون الموظف أميناً فعلاً، لكن كثيراً ما يكون مرتشياً، ترجم سلطة الصدفة إلى مال، ويبيع تذكرة وهمية على بوابة اختلقها بنفسه، ويدعي التشدد لرفع سعر المرور.

بسيط آخر يحرس بوابة تطلعه على أسرار، استغل موقعه للمتاجرة فيما كُلف بحراسته منا وحجبه عن أعيننا. بعضهم اكتفى بخيانة الأمانة، وبعضهم أضاف إلى جريمته الكذب والاختلاق، وبعضهم أضاف الابتزاز.

على الحد بين الحلال والحرام أيضاً بوابات، وقف عليها بسطاء آخرون. قال لي أحد مشايخ الإسلام السياسي في مراهقتي إنَّ هذا الشعب لن يعرف «الدلع» حتى نصل إلى الحكم. والمعنى أنه يعرف من عالم الممنوع، أو المحرم، يُسراً كثيراً يمكن الإفتاء به، لكنه يحجزه عن الناس حتى يعيشوا في ضنك لا يرفعه إلا وصوله وصحبه إلى السلطة. ولا يقتصر ذلك على الأفراد، بل يمتد إلى سياسات الدول. في السياحة واستقبال الأجانب، وفي تحالفات الدولة وعلاقاتها السياسية، والحرب والسلم. احتفظ هؤلاء باليسر من الأحكام الشرعية السياسية للدول التي يرضون عنها، وحرموا منها من يغضبون عليها.

وحين قدمت إلى أوروبا فوجئت بفكرة نشرها الإسلام السياسي لجذب الشباب الذي تربى في الغرب، عنوانها «البوي فريند» الإسلامي، ارتكازاً على أنَّ الزواج في الإسلام عرض وقبول وإشهار. ووجود طرفين معاً في العلن يحقق هذه الشروط، فلا بأس يا شباب.

لدى هذا النوع من الحراس فلسفة تقسم الناس إلى خاصة وعامة، يمكن تمرير الخاصة إلى عالم الممنوع، أو الرُّخَص، أمَّا العامة فالرُّخَص مفسدة لهم.

ومن مواقع الحراسة ما يقتضي المسار إليه تخطيطاً، فيُطلَب استحقاقاً، رداً لتضحية أو جميل.

ومنها ما يتطلب صبراً، كحارس بناية يصل إلى التحكم في حياة سكانها، أو صاحب سلطة اكتسبها من مجال، ثم استخدمها لفرض رؤيته في مجالات لا علم له بها.

كان سفنكس في الأسطورة اليونانية حارس البوابة إلى عالم طيبة الخاص. وكان شرط الدخول لغزاً أعجز كثيرين. من لم يحله مات، ومن حلَّه مَر. مَا الشَّيء الذي يسير في الصباح على أربع وفي الظهر على اثنتين وفي الغروب على ثلاث. أوديب عرف الإجابة. فانهار الحارس وانفتحت البوابة.

العلم يغنيك عن الحراس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد