: آخر تحديث

من أجل سورية

2
1
2

منذ لحظة سقوط أول جدار في الجغرافيا السورية، لم تكن المسألة أمنية ولا حتى سياسية فقط بل كانت امتحانًا علنيًا لقدرة العالم العربي على حماية مفهوم الدولة في زمن الفوضى المستباحة. سورية التي كانت قلب المشرق، تحولت إلى خريطة مؤجلة، تتنازعها العواصم، وتُفرّغها السنوات من مؤسساتها وشعبها وقرارها.

البيان الأخير الصادر عن المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، وبدعم عربي متسع، لم يكن بيانًا عاديًا يُضاف إلى أرشيف التصريحات، بل كان إشارة سياسية حاسمة إلى أن وحدة سورية ليست ملفًا تفاوضيًا، بل مبدأ لا يقبل المقايضة.

هذا البيان، وإن لم يكن الأول في توقيته أو لغته، إلا أنه يأتي اليوم محمّلًا بدلالة مختلفة. فالعالم العربي، وعلى رأسه المملكة، يدرك أن ترك سورية خاضعة لتجاذبات إقليمية ودولية، لن يؤدي إلا إلى إنتاج مزيد من الفوضى والانقسام في المشرق العربي.

الحديث عن وحدة سورية لا يقتصر على الحدود الجغرافية، بل يشمل القرار السياسي السيادي، والنظام الاقتصادي المستقر، والبيئة الاجتماعية المتماسكة، ومن هنا، فإن الإشارة إلى الاقتصاد السوري في البيان لا تقل أهمية عن الإشارة إلى الأمن والسيادة، فدولة بلا اقتصاد منتج وشفاف، لن تتمكن من الحفاظ على استقلالها أو فرض وحدتها الفعلية على كامل ترابها.

كما أن التركيز على وقف التدخلات الأجنبية، وتحجيم خطاب الكراهية، وضمان أمن المدنيين، يعكس نضوجًا في المقاربة العربية تجاه هذا الملف، وهو ما يعزّز من فرص الحل السياسي المتكامل، الذي لا يقوم على استبدال طرف بآخر، بل على إعادة بناء الدولة السورية على أسس المواطنة والشراكة.

إعادة سورية إلى موقعها الطبيعي في النظام العربي لن تكون عبر التصريحات وحدها، بل من خلال مسار عربي مسؤول، يستثمر في السلام، ويحمي الدولة، ويُنهي زمن الفوضى.

ولعلّ التحدي الأكبر الذي يواجه الجهود العربية يتمثل في إقناع الأطراف الدولية الفاعلة بأن الحل في سورية لا يمكن أن يُفرض من الخارج، بل يجب أن ينبع من توافق داخلي تدعمه مرجعية عربية موحدة، وهذا يتطلب تحركًا استباقيًا يسبق ملء الفراغات، ويحول دون استخدام الأزمة السورية كورقة تفاوض على ملفات لا علاقة لها بالشعب السوري.

وحدة سورية لم تعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة لحماية الأمن الإقليمي، ومنع تمدد الفوضى إلى حدود دول الجوار، وكلما تأخر الحل، ازداد تفكك المؤسسات، وتوسعت دوائر الانقسام، ولذلك فإن المسؤولية لم تعد أخلاقية فقط، بل استراتيجية تتطلب وضوحًا في الرؤية، وثباتًا في الموقف، وشراكة عربية فاعلة في رسم ملامح الغد السوري.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد