: آخر تحديث

التستر.. سرطان الاقتصاد

7
5
5

أضحى "التستر التجاري"، بآثاره المدمرة ووجوهه المتعددة، سرطانًا اقتصاديًا حقيقيًا ألقى بظلاله الثقيلة على بيئة الأعمال في المملكة لعقود خلت، فلم يعد مجرد خلل عارض، بل ظاهرة مُتأصلة تُضعف بنية السوق، وتُقوّض جهود توطين الوظائف، وتُفضي إلى تشكيل اقتصاد خفي مترامي الأطراف، بمعزل عن الرقابة، ولا يسهم في الناتج المحلي كما ينبغي.

يتجلى هذا التستر في تمكين غير السعوديين من ممارسة الأنشطة التجارية لحسابهم الخاص، متدثرين بأسماء مواطنين يتقاضون عائدًا شهريًا زهيدًا، دون دور فعلي في الإدارة. هذه الممارسات أفضت إلى تفشي الغش التجاري، وتهريب الأموال، وتدني جودة السلع، فضلاً عن التسبب في معضلة بطالة حقيقية بين المواطنين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة منافسة غير عادلة مع هذا الاقتصاد غير الرسمي.

في تقديري.. مكافحة الغش والتستر أولوية قصوى لا يمكن المساومة عليها، فجميع هذه العناصر تمثل تحديًا حقيقيًا للمملكة في سعيها لبناء اقتصاد قوي ومتين، لذا يجب هنا توجيه الشكر لوزارة التجارة على اهتمامها بهذا الملف الحيوي الهام، والتصدي بقوة لظاهرة التستر التجاري بشكل عام، وفي القطاع الهندسي خاصة، لما تمثله من خطر مباشر على جودة المخرجات وسلامة المشاريع، فضلًا عن تأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني واستقرار سوق العمل؛ لأن التستر يؤدي إلى تدني جودة العمل الهندسي، ويتيح المجال لممارسات غير نظامية، منها تشغيل غير المؤهلين، وممارسة المهنة دون ترخيص أو اعتماد مهني، إضافة إلى الإضرار بالمكاتب الوطنية المتقيدة بالأنظمة، كما يعرقل جهود التوطين، ويضعف من فرص الكوادر الوطنية في التوظيف والمنافسة العادلة.

وكان من اللافت تأكيد "غرفة الرياض" على دعم المكاتب الهندسية الوطنية، والدعوة لرفع كفاءتها، وتمكينها من التوسع والمنافسة، ما يمثل ركيزة أساسية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويعزز من موثوقية الخدمات الهندسية المقدمة للمستفيدين.

لقد أشادت الأوساط الاقتصادية كافة بالمبادرة الحكيمة لغرفة الرياض، التي أكدت في بيانها الذي طالعتنا به مؤخرا على الأهمية القصوى للتصدي للتستر التجاري في دعوة تعكس فلسفة عميقة لحماية المكتسبات الوطنية، فما أحوجنا إلى تلك الجهود التي تحمل على عاتقها حماية بيئة الأعمال بحكمة وشفافية.

ولمواجهة هذا التحدي الواسع، كان إقرار نظام مكافحة التستر الجديد في عام 2021 نقطة تحول جوهرية، حيث جاء النظام مزودًا بأدوات رقابية صارمة، ومصحوبًا بفترة تصحيحية مُحفزة انتهت في عام 2022؛ ولتعزيز الشفافية، أُنشئ ربط إلكتروني متكامل بين أكثر من 20 جهة حكومية، ليشكل شبكة قوية تحاصر التستر وتُضيق الخناق على أي محاولة للتحايل.

إن ما تقوم به المملكة اليوم هو في جوهره إعادة هيكلة شاملة لبيئة الأعمال، تهدف إلى بناء سوق يتميز بالعدالة والنزاهة، حماية للمستهلك، وتمكينًا حقيقيًا للمواطنين ليقودوا دفة الاقتصاد نحو مستقبل واعد، إنه مسعى وطني يستهدف إرساء بيئة أعمال نظيفة، خالية من التستر والتحايل، ليعود النفع على الوطن والمواطن، ويُسهم في بناء اقتصاد قوي ومنيع، مستندًا بقوة على نظام رقابي محكم قادر على ضبط المنظومة الاقتصادية والتجارية في المملكة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد