أحمد محمد الشحي
لقد أضحت التقنيات الذكية ووسائل التواصل جزءاً لا يتجزأ من واقع أبنائنا في حياتهم اليومية، ولم تعد تقتصر على مجرد التسلية العارضة والمتعة العابرة، بل تحولت إلى فضاء واسع مستدام تتردد أصداؤه في وجدانهم وعقولهم.
وفي خضم ما يشهده هذا الفضاء الرحب من متغيرات ومستجدات دائمة يصبح من الضروري مواكبة ذلك، من خلال تجديد أساليب توجيه الأبناء وابتكار استراتيجيات تربوية شاملة تمكّنهم من اكتساب مهارات الاختيار الواعي والاحتكاك المدروس بهذا العالم، والتقييم المشترك لما يتلقونه من محتوى عبر حوار احتوائي مبدع، بعيداً عن الرقابة التقليدية أو التوجيه الجامد.
وهنا يأتي دور الأسرة باعتبارها الحاضنة الأولى الأكثر تأثيراً على الأبناء، فهي المدرسة الأولى التي يكتسبون فيها هويتهم، ويتلقون قيمهم، ويتعلمون طريقة تفاعلهم مع ما يحيط بهم من عالم واقعي أو افتراضي، وهو ما يتطلب استراتيجيات متوازنة تدفعهم نحو التمكين الذاتي من الاستخدام الرشيد لهذه الأدوات.
ومن هذه الاستراتيجيات التربوية تعويد الأبناء على التفكير النقدي البناء تجاه ما يشاهدون أو يسمعون أو يقرؤون، وتشجيع الفضول الموجه لديهم، واحترام تساؤلاتهم، وعدم كبتهم أو تسفيههم، مما يتيح للأبناء أن يجدوا ملجأً معرفياً وعاطفياً وفكرياً مستمراً تجاه كل ما يواجههم.
كما يأتي دور الأسرة كذلك في وضع قواعد مرنة لتنظيم أوقات استخدام الأجهزة لأبنائهم، وإدماجهم في أنشطة حياتية واقعية تعيد لهم بناء العلاقة المتوازنة مع الأسرة والمجتمع، وتخفف عنهم سطوة العالم الرقمي، بما يحقق لهم التكامل بين عوالمهم الرقمية وحياتهم الواقعية، ويكرس فيهم روح الانتماء والإنجاز خارج حدود الشاشات.
ولا يكتمل دور الأسرة بالضرورة إلا من خلال وجود القدوة الحية من الأهل في الاستخدام الحكيم والرشيد والمتزن لهذه الأدوات، وخاصة أمام أبنائهم، ليكون التوازن والحكمة شعار الأسرة ككل، وما أجمل أن تتحول اللحظات الرقمية داخل البيت إلى فرص مشتركة للتفاعل البنّاء.
إن بناء أجيال رقمية واعية مسؤولية أسرية ووطنية كبيرة، تتطلب قراءة واعية مستمرة للواقع، والتحلي بالجدية والمسؤولية والابتكار، لبناء جيل يمتلك أدوات التكنولوجيا الحديثة، ويستخدمها الاستخدام الأمثل الذي يعينه على صناعة مستقبله وخدمة وطنه بوعي وإبداع.