حسين الراوي
في تصريح غير معتاد، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليعلن بصراحة أنه «غير راضٍ» عمّا يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، مضيفاً أن بوتين «يقتل كثيراً من الناس»، وأن كلامه «لطيف لكن بلا معنى».
هذا التصريح اللافت يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الموقف الترامبي المستجد من موسكو، خصوصاً وأن ترامب لطالما اتُهم من خصومه السياسيين، بممالأة الكرملين أو التغاضي عن سياساته التوسعية.
المتعارف عليه أن ترامب لم يسبق له أن وجّه انتقادات مباشرة بهذا الوضوح لبوتين، حتى في ذروة الأزمة الأوكرانية قبل توليه رئاسته. بل على العكس، كثيراً ما استخدم نبرة تصالحية مع الرئيس الروسي، معلناً في أكثر من مناسبة أنه «كان ليتوصل إلى اتفاق سلام في غضون أيام» لو كان في السلطة.
إلا أن تحوّله الأخير، وإن لم يكن جذرياً في خطابه العام، يوحي بمحاولة لإعادة تموضع سياسي قبل انتخابات 2026، خصوصاً في ظل ما يشهده الملف الأوكراني من تصعيد متسارع.
وتأتي تصريحات ترامب في الوقت الذي وافق فيه البيت الأبيض، على استئناف إرسال شحنات جديدة من الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا، بعد توقف قصير أثار كثيراً من الجدل، ويبدو أنه أراد أن يوازن موقفه أمام الجمهوريين المنقسمين بين تيار انعزالي يرفض التورط في الحرب، وآخر يدعو إلى دعم كييف عسكرياً لردع روسيا وتثبيت الهيبة الأميركية عالمياً.
تصريح ترامب بأنه «غير سعيد مع بوتين»، قد يكون بمثابة إشارة مزدوجة، رسالة للداخل الأميركي، مفادها بأنه ليس تابعاً لموسكو ولا يتغاضى عن القتل والتوسع الروسي.
ورسالة لبوتين بأن علاقتهما «الودية» لن تكون من دون ثمن إذا استمرت الحرب في استنزاف الصورة الأميركية عالمياً.
الأخطر من تصريح ترامب، هو ما تلاه من تلميح إلى دعمه لمشروع قانون عقوبات جديدة على روسيا. ورغم أن تلك العقوبات لم تُقر بعد، فإن مجرد صدورها من سيد البيت الأبيض يعطي إشارات حاسمة لحلفاء واشنطن، بأن اللعبة الجيوسياسية قد تعاد صياغتها، ليس فقط في الحرب، بل في ميزان النفوذ بأكمله.
المُلاحظ أن منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بدا أن الكرملين يعوّل على عودة ترامب أو مرشح يشبهه لتقليص الدعم الغربي لكييف، لكن هذه التصريحات تُحدث صدعاً في هذا التصور، فإذا كان ترامب نفسه، المعروف بنزعته الانعزالية، بدأ يُصرّح بعدم الرضا وربما باتخاذ خطوات ردعية، فإن روسيا قد تجد نفسها أمام واقع أكثر تعقيداً مما كانت تظن.
في النهاية... تصريحات ترامب ضد بوتين لا تعني بالضرورة قطيعة، لكنها إشارة إلى تحوّل مدروس، مرتبط بالحسابات الانتخابية من جهة، وبالضغوط المتصاعدة من مؤسسات الدولة ومراكز النفوذ الجمهوري من جهة أخرى.
وإذا كان هذا التغير موقتاً، فإنه مع ذلك يساهم في رسم ملامح مرحلة جديدة: مرحلة تتقاطع فيها السياسة الخارجية الأميركية مع الداخل المشتعل بالانتخابات، والميدان الأوكراني الذي لم يعد يحتمل أي لخبطة في المواقف.
فهل نعيش الآن بدايات تبدّد وهم الحلف الترامبي - الروسي، أم أن الأمر لا يعدو كونه تصعيداً تكتيكياً آخر من رجل يعرف كيف يناور بالكلام؟