: آخر تحديث

اليهود والربا وإسرائيل

10
8
7

كتب عمران عبدالله مقالاً (2019)، بعنوان «كيف أسهم المرابون اليهود في أوروبا القروسطية في نشأة إسرائيل؟»، تضمن معلومات قيمة، وجدنا مشاركة القراء بها، مع التصرف:

كان «الربا» محظوراً على المسيحيين في العصور الوسطى، إذ حرّمته الكنيسة الكاثوليكية بشدة، مع تهديد المرابين بالحرمان «من الجنة» أو الدفن في مقابر مسيحية.

وكما ورد في بحث للمغربي خالد طحطح، أستاذ التاريخ والأنثروبولوجيا، ان مسيحيي العصور الوسطى في أوروبا وجدوا طرقاً ملتوية لمزاولة الربا، نظراً لأهميته، منها تحصيل القروض بعملة أخرى غير عملة الإقراض، والفائدة تتمثل في الفرق بين سعر العملتين، بحيث يمكن تحقيق ربح مجز، لكن حلاً آخر لاح في الأفق، عندما جرى توظيف التجار اليهود للتعامل مباشرة مع كل ما يتعلق بالقروض، خصوصاً لأن كتابهم «التوراة» يجيز لهم مزاولة الربا مع «الأغيار»، أي غير اليهود، بينما تحرمه بينهم، لذا استفاد التجار والمصرفيون المسيحيون من هذه المزية، وأحالوا التعاملات الربوية للمرابين اليهود ليكونوا وكلاء عنهم. وتسببت هذه الحالة في زيادة ظاهرة العداء لليهود في المجتمع الأوروبي رسوخاً، كونهم أداة للقيام بكل ما هو محرم أو بغيض في المسيحية، كما أدى هذا الاتفاق الضمني إلى قيام اليهود بما يسمى بجماعات وظيفية وسيطة، وهي الظاهرة التي عرّفها المفكر المختص بالدراسات اليهودية والصهيونية، عبدالوهاب المسيري، بأنها جماعة يستوردها المجتمع من خارجه أو يجنّدها من داخله، لتقوم بوظائف لا يضطلع بها عادة أعضاء المجتمع لكونها مُشينة، لذا تصبح علاقتهم بالمجتمع نفعية تعاقدية، لا ارتباط لها ولا انتماء، فتعيش على الهامش، لأن المجتمع يقوم بعزلها عنه ليحتفظ بمتانة نسيجه المجتمعي، فهي تقوم بالربا المحرم نيابة عنها، لذا تطور الوصم المسيحي الأوروبي بحق اليهود بسبب هذه الوضعية، وجرى طردهم من إنكلترا في نهاية القرن الثالث عشر، ومن أسبانيا بعد ذلك بقرنين، وأثناء الصراع الكاثوليكي البروتستانتي شملت الاتهامات للمجتمعات اليهودية بخلاف ممارسة الربا، جرائم مثل تسميم الآبار والسحر وخطف الصبيان لأعمال الشعوذة، ولم تكن البروتستانتية أكثر تسامحاً معهم، ففي عام 1514 ادعى المصلح مارتن لوثر أن اليهود يمارسون اللعن والتجديف، وهاجمهم بشدة في كتابه «اليهود وأكاذيبهم». كما أسهم ضيق الفلاحين والمقترضين من الفوائد المالية المرهقة في زيادة الوصم والممارسات العدائية ضد اليهود، وأدى ازدهار النشاط التجاري إلى زيادة حاجة التجار للمال، وزيادة كرههم للمرابين اليهود، الذين كانوا، بعرفهم، يجنون المال خلال نومهم، من دون عناء. لكن مع الوقت فقد اليهود مكانتهم مع قيام الكنيسة باعتماد فكرة جديدة هي عقيدة «التطهير»، التي تزول بها الخطايا في الآخرة في مكان وسيط بين الجنة والنار، يجري فيه التخلص من الآثام قبل نيل الخلاص، وهكذا فتحت الكنيسة الباب أمام التجار والصيارفة المسيحيين لممارسة الربا وشراء المغفرة، سواء عن طريق صكوك الغفران أو أعمال الخير والبر للتطهر في الآخرة، ومعها ظهرت الدول المركزية القومية والنظام المصرفي الحديث وشبكات التجارة العالمية والبورجوازيات المحلية، ومعها فقد اليهود مكانتهم، فساهم ذلك في تنامي دعوات التخلص منهم، والتفكير في ترحيلهم لـ«الدولة الصهيونية الوظيفية»، بعد أن اصبحوا شعباً منبوذاً، ومن هنا ظهرت الفكرة الصهيونية، كحل إمبريالي لأزمة وجود اليهود غير المرغوب فيهم بأوروبا، إذ وجد الأوروبيون الحل في إخراج اليهود إلى منطقة إستراتيجية في آسيا وأفريقيا، ليستمروا في أن يكونوا في خدمتهم، وهكذا تم اختيار فلسطين وطناً لهم.


أحمد الصراف



عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد