تتألق المملكة في الفضاء الرقمي متبنية طموح رؤية 2030 لبناء هوية رقمية تعكس قيمها وإنجازاتها، لكن هيمنة المحتوى الاستهلاكي تهدد هذا المسار.
وفق أحدث بيانات مركز القرار وDataReportal 2025، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة 33.9 مليون شخص، أي بنسبة انتشار تقارب 99%، بينما يصل عدد هويات مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي النشطة إلى 34.1 مليون، أي 99.6% من السكان، مع متوسط تفاعل يومي على هذه المنصات يقارب 3 ساعات. هذه الأرقام تؤكد أن النشاط الرقمي جزء أساسي من حياة السعوديين، مما يجعل تعزيز المحتوى الهادف أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على الهوية الوطنية وصياغة وعي الشباب.
المقال يتناول هذه الظاهرة، يوضح آثارها على الهوية الوطنية والشباب، ويقترح استراتيجيات عملية لتحويل الصدارة الرقمية إلى ريادة مستدامة.
المحتوى الرقمي أداة رئيسية لتشكيل الوعي الجمعي، حيث يؤثر على 70% من الشباب (DataReportal، 2025). لكن الأفضل من هيمنة المحتوى الاستهلاكي العابر على المنصات الرقمية وإعطاء الأولوية للشهرة السريعة الاهتمام بتعزيز المحتوى الوطني والمبادرات التنموية من أجل:
1- المحافظة على أصالة الصورة الوطنية عالميًا.
2- وعدم تراجع القدوات المعرفية لصالح مؤثرين يفتقرون للعمق.
3- وتقريب طموحات الشباب بمستهدفات رؤية 2030.
وبذلك نحول دون تحوّل الشهرة السريعة إلى هدف بحد ذاته، ونشجع على حضور المبدعين في مجالات العلوم والتقنية وغيرها وبما لا تعيق مساهمة الشباب في تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
فالمحتوى الهادف يمثل جسرًا لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، فهو يعزز الفخر الوطني ويبرز المنجزات.
حسابات وطنية ومبادرات تنموية تؤكد أن عرض قصص الشباب المبتكرين والمشاريع الرائدة يحقق تفاعلًا واسعًا، ويقدم صورة إيجابية عن المملكة للعالم.
إن تحويل هذه المبادرات إلى قصص رقمية جذابة يضمن منافسة المحتوى العابر، ويُسهم في بناء هوية رقمية تعكس حقيقة التحول الوطني.
لقد أطلقت المملكة عدة برامج رائدة لدعم هذا التوجه، منها:
- المنتدى السعودي للإعلام 2025: منصة لبحث التحول الرقمي وتمكين الشباب.
- برنامج ابتعاث الإعلام: يؤهل كوادر وطنية في الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي والواقع المعزز وفق نموذج «الابتعاث المبتدئ بالتوظيف».
- وثيقة حوكمة الإعلانات الرقمية: تضع ضوابط أخلاقية للمؤثرين لحماية الصورة الوطنية.
ولضمان التحول من الصدارة الرقمية إلى ريادة مؤثرة، نقترح:
1- تأهيل المؤثرين بمهارات معرفية وثقافية تحت إشراف الهيئة العامة لتنظيم الإعلام.
2- إنتاج محتوى متعدد اللغات عبر منصات وطنية مدعومة من وزارة الإعلام.
3- حملات توعوية مشتركة بين الجامعات وشركات الإعلام.
4- مرصد وطني لجودة المحتوى يستخدم الذكاء الاصطناعي لقياس نسب المحتوى الهادف مقابل الاستهلاكي وتقديم تقارير دورية لصناع القرار.
5- تحفيز القطاع الخاص مثل STC لرعاية إنتاج محتوى هادف ودعم منصات للمبدعين الشباب.
6- تشجيع المنصات العالمية على الشفافية في خوارزمياتها لإبراز المحتوى الإيجابي.
إن المحتوى العابر، المدفوع بخوارزميات تعزز الشهرة اللحظية، يُضعف طموحات الشباب ويُسطّح الهوية الرقمية. في المقابل يمثل المحتوى الهادف أداة استراتيجية لصياغة الوعي وتعزيز القوة الناعمة. كمجتمع جبل طويق، يجب أن تكون منصاتنا انعكاسًا لقيمنا وإنجازاتنا، لا مرآة لمحتوى عابر.
فلنحوّل حضورنا الرقمي إلى قوة وطنية تعكس قيمنا وتدفعنا نحو مستقبل أكثر إشراقًا.