: آخر تحديث

سرّ الأردن... بعد 79 عاماً من الاستقلال

7
3
6

خيرالله خيرالله

احتفل الأردن قبل أيام بالذكرى الـ 79 للاستقلال. كانت الذكرى مناسبة للتأكد من أمرين. الأمر الأوّل أن المملكة بخير والآخر أنها مازالت قادرة على مواجهة التحديات. تواجه المملكة منذ قيامها التحديات على الرغم من الظروف الإقليمية الصعبة والمعقدة. استطاعت المؤسسات التي بناها الأردن الصمود والذهاب بعيداً في التغلب على التحديات بعيداً عن المزايدات والشعارات الفارغة التي جلبت الكوارث على بلدان عدّة في المنطقة، بمن في ذلك سوريا والعراق ولبنان.

اثبتت السنوات الـ 79 التي مضت أن الأردن ليس ظاهرة عابرة بأي شكل، بل هو أكثر من ضرورة لاستقرار المنطقة. هذا ما اثبتته الأحداث مرّة تلو الأخرى كما اثبتت أن رهان ملوك الأردن، منذ الاستقلال، كان رهاناً في محله، خصوصاً أنّه كان رهاناً على الإنسان قبل أي شيء آخر. كان ذلك في بلد لا يمتلك ثروات طبيعية كبيرة، إضافة إلى أنّه من أفقر بلدان العالم من زاوية امتلاك الثروة المائية.

بنى ملوك الأردن، بدءاً بالملك عبدالله الأوّل، دولة حقيقية يتبين يوماً بعد يوم أنّها ذات دور محوري على الصعيد الإقليمي. إنّه دور لا يمكن تجاوزه، خصوصاً بعد الخطوة التي أقدم عليها الملك حسين في العام 1994. في أكتوبر من ذلك العام، وقع الأردن اتفاق سلام مع إسرائيل في وادي عربة. حدّد الاتفاق، الذي وقعه إسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي من جهة والدكتور عبدالسلام المجالي، رئيس الوزراء الأردني من جهة أخرى، حدود الأردن. قطع الاتفاق الطريق على مشروع «الوطن البديل» الذي كان يحلم به اليمين الإسرائيلي الذي كان لديه في كل وقت طموح تهجير مواطني الضفّة الغربية إلى شرق الأردن.

طوال 79 عاماً لايزال السؤال المطروح ذاته. ما سرّ الأردن ولماذا ذلك الميل إلى الاستخفاف بالأردن، وهو ميل لدى الذين لا يعرفون بالمنطقة قبل غيرهم. يشمل ذلك في طبيعة الحال مسؤولين إسرائيليين لا يمتلكون القدرة على فهم ما هي المملكة الأردنيّة الهاشمية ولماذا استطاعت تجاوز كلّ التحديات التي مرّت بها منذ قيامها. يكمن سرّ الأردن في الموقع المحوري للبلد وقدرته الدائمة على إيجاد دور لنفسه بغض النظر عن الظروف الإقليمية وتبدلها.

لم يمرّ بلد في المنطقة بالتحديات التي مرّ بها الأردن الذي واجه في خمسينات القرن الماضي وستيناته، الموجة الناصرية نسبة إلى جمال عبدالناصر. استطاع تجاوز تلك الموجة، لكن بعدما دفع ثمناً غالياً. كلفت الناصرية بين ما كلفته زجّ الأردن بحرب العام 1967. أدّت تلك الحرب إلى خسارة الضفّة الغربية والقدس الشرقية ووقوعهما تحت الاحتلال الإسرائيلي. حصل ذلك في ضوء جهل الضابط جمال عبدالناصر، بما يدور في المنطقة والعالم. للتذكير فقط، استخف جمال عبدالناصر، بالإردن وبالملك حسين، قبل أن يستخف لاحقاً بإسرائيل ويخوض حرب 1967 من دون أي استعداد جدّي لها.

استطاع الأردن حماية القضيّة الفلسطينية في كلّ وقت. لايزال حاجزاً في وجه تهجير مواطني الضفّة الغربية في ضوء الرسالة الواضحة التي وجهها قبل أشهر قليلة الملك عبدالله الثاني، إلى بنيامين نتنياهو وحكومته. فحوى تلك الرسالة أن الأردن مستعد للدفاع، بكل ما لديه من قوة، عن حدوده في حال عملت إسرائيل على تهجير مواطني الضفّة الغربيّة في اتجاه أراضيه. بكلام أوضح، أن الأردن مستعد للذهاب بعيداً في مواجهة إسرائيل عندما تقتضي الحاجة ذلك.

لم يتخلّ الأردن يوماً عن القضيّة الفلسطينية. أنقذ الفلسطينيين من أنفسهم في العام 1970، عندما سعت المنظمات الفلسطينية المسلحة إلى الحلول مكان الدولة الأردنية.

في 1970، قبل توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل، قطع الملك حسين باكراً الطريق على مشروع «الوطن البديل» بعدما رفعت منظمات فلسطينية شعار «طريق القدس تمرّ بعمّان» وبعدما عبث المسلحون الفلسطينيون بالأمن الأردني وخطفت إحدى المنظمات طائرات ركاب مدنية تمتلكها شركات أوروبيّة وأخذتها إلى الأراضي الأردنية... ثمّ فجرتها في ما اسمته «مطار الثورة»!

من المفيد ملاحظة أن إسرائيل، منذ احتلالها للضفّة الغربيّة، رفضت في كلّ وقت التوصل إلى اتفاق فك اشتباك مع الأردن على غرار الاتفاقات التي توصلت إليها مع مصر أو مع سوريا. كان هذا الرفض دليلاً واضحاً على رفض الدولة العبريّة التفاوض مع الأردن في ما يخص الضفّة الغربيّة. المؤسف أنّ المجموعة العربيّة سهلت على إسرائيل هذه المهمّة عندما اتخذت في قمة الرباط، التي انعقدت في العام 1974، قراراً يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني». تجاهل العرب أن مثل هذا القرار يخدم إسرائيل من الناحية القانونيّة، نظراً إلى أن الضفة الغربية كانت قبل احتلالها تحت السيادة الأردنيّة وليس تحت سيادة منظمة التحرير الفلسطينية. بفضل القرار العربي، المتعلق بتمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني، استطاعت إسرائيل اعتبار الضفّة الغربيّة «أرضاً متنازعاً عليها» وليست أرضاً محتلة كما واقع الحال.

لم يترك الأردن مناسبة إلّا وتصدّى فيها لمحاولة إسرائيل تصفية القضيّة الفلسطينيّة. ذهب عبدالله الثاني، مرّات عدّة إلى واشنطن لتأكيد أن لا مفرّ من إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حال كان مطلوباً جعل الاستقرار يعمّ المنطقة.

في كلّ يوم يمرّ تظهر الحاجة العربيّة إلى الأردن، خصوصاً إذا نظرنا إلى ما يجري في العراق أو في سوريا وما ترتكبه إسرائيل في حق الفلسطينيين. وجد الأردن كضرورة إقليمية وحاجة عربيّة لمواجهة المخطط اليميني الإسرائيلي الذي يعتقد أنّ ما ارتكبته «حماس» في غزّة يشكّل فرصة لتصفية القضية الفلسطينية!

في الذكرى الـ79 للاستقلال، من الضروري إعطاء المملكة الأردنيّة حقها بصفة كونها الدولة الوحيدة في المشرق العربي التي استطاعت بناء مؤسسات حقيقية ثابتة اثبتت فعاليتها على الرغم من كلّ ما شهدته المنطقة من عواصف وانواء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد