: آخر تحديث

الأزمات المزمنة لها مسكنات فقط!

4
3
3

محمد الرميحي

الأزمة بين الهند وباكستان حول كشمير مزمنة، مثلها مثل القضية الفلسطينية، والأزمات المزمنة كالأمراض المزمنة، ليس لها علاج ناجع، ولكن لها فقط مسكنات!

يأخذني هذا الأمر إلى عشية ما قبل الحرب على العراق في عام 2003، وقتها دعت الخارجية البريطانية مجموعة من المهتمين إلى ندوة نقاشية في بريطانيا، من أجل تدارس ما عرف وقتها بـ (إدارة ما بعد الحرب ــ التخطيط للعراق ما بعد صدام)!

للخارجية البريطانية تقاليد في مثل هذه الندوات، فقد كانت الدعوة والاجتماع في مكان يسمى ويلتون بارك، وهو شبه قصر قديم جنوب غرب لندن، يبعد عن وسط المدينة بحوالي 90 دقيقة بالسيارة، مجهز بعدد من الغرف وبعض صالات الاجتماع، ولكنه بعيد عن العمران.

قبل ذلك الوقت بقليل، توقفت الخطوط الجوية البريطانية عن الطيران إلى الكويت، كان ذلك في منتصف فبراير 2003، وكان على كاتب هذه السطور أن يسافر إلى أحد البلدان الخليجية، ومن هناك على الطيران البريطاني إلى قبرص، حيث فتشت الطائرة تفتيشاً دقيقاً، ثم إلى لندن ومنها إلى ويلتون بارك.

هذا المنتجع الجميل الذي تحيطه أبسطة خضراء، اعتمدته الخارجية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية لمثل هذه اللقاءات النقاشية، لقاءات تسمى في الغالب «التفكير بصوت عالٍ» في الموضوع المطروح، دون أن ينسب لقائل قول.

كان التوقيت هو الـ20 من مارس 2003، أي قبل أيام قليلة من الحملة العسكرية ضد العراق، والمتحدثون عرب وبريطانيون وأمريكان ولهم علاقة بالقضية المطروحة.

في ذلك اللقاء، قال أحد المتحدثين من المنتسبين إلى وزارة الخارجية البريطانية كلاماً لافتاً مختصره (إننا لا نقلق على ما يحدث في الشرق الأوسط من أزمات، قلقنا الدائم أن تنفجر صراعات ما بين الهند وباكستان حول كشمير، لأننا نتخوف من أن تلك الصراعات سوف تُسمع في شوارع المدن البريطانية، فهناك عدد كبير من الهنود وعدد كبير من الباكستانيين، يعيشون في تلك المدن، وإذا حدث صراع كبير في كشمير سوف نتعرض لهزة في الأمن الوطني البريطاني!).

قضية كشمير هي من القضايا المزمنة كما أسلفت، ليس لها حلول نهائية منذ أكثر من نصف قرن، وتستخدم بين فترة وأخرى لإظهار العصبية الوطنية وشد العصب، والأطراف جميعها تعرف بأنه ليس هناك حل نهائي لهذه المشكلة المستعصية.

الأحداث الأخيرة كانت محدودة وتوقفت، لكن لو تطور الأمر إلى حرب لا سمح الله كبيرة، فإن المستفيد الحقيقي هم كل من أعداء باكستان وأعداء الهند، فالحروب تترك ندوبها العميقة على وجه المجتمع والاقتصاد، وخاصة أن كلا البلدين يصارعان في قضايا التنمية والتطوير لمجتمعاتها، فيصبح البلدان عاجزين عن المنافسة الاقتصادية!

حسناً فعلت بعض دول الخليج في محاولة تعنى برأب الصدع بين الجارين (الأصدقاء الأعداء) فلن تستطيع لا باكستان، ولا الهند، الحصول على نتائج نهائية في هذا الصراع أو انتصار حاسم، كل ما سوف يتم، لو توسعت الحرب، هو خسارة الطرفين خسارة قد تكون فادحة في العدة والعتاد والاقتصاد.

المراهنة هنا على تحكيم العقل، والموازنة بين الضجيج (القومي)، والمصالح الحقيقية للناس في كلا البلدين، في أجواء عالمية مشوبة بالصراعات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد