: آخر تحديث

كن بذاتك !

0
0
0

عبده خال

درس بغيض تقدمه الحياة لكل من كان ذا منصب مرموق، وتخلّى عن كرسيه لأي سبب كان، وإن كان أهم أسباب التخلي هو التقاعد.. هذه الفئة تصاب بصدمات حقيقية، فحين كان محط مهوى الأفئدة، والجميع يتسابق للحصول على رضاه، والكل يحفّه بالتهاني لأي مناسبة، والكل يتفانى لخدمته، والكل يواسيه لأي نائبة، والكل يتفاخر بأنه صديقه أو جاره أو أنه صديق تلك الشخصية الهامة والمهمة.. وبعد التقاعد يجلس وحيداً (يهش الذباب) ولا يتذكره إلا الأوفياء الذين يحملون له جميلاً أو وداً، أو تقديراً لما بذل من تفانٍ في خدمة الناس حين كان قادراً على فعل المعروف؛ خدمة للناس من غير ترفع أو منّة.

التهميش ليس مقتصراً على المتقاعدين من ذوي المناصب العليا، فقد يأتي التهميش من خلال انحصار الاهتمام بأي شخصية مشهورة سواء كانت رياضية أو فنية أو اجتماعية.. وبين ليلة وضحاها ينفض الناس عنه، فيجد نفسه ريشة في هواء غير رحيم حين يطوح به في الفراغ، ولن يجد في ذلك الفراغ من يحنو على خفة تنقله أو يلحظ وجوده.

هذا الدرس البغيض لن يمر بمن هم تحت الأضواء الآن، سواء كان الضوء منصباً، أو شهرة، أو دوراً خدمياً، أو أي أمر يجعل للمرء أهمية. إن انحصار المسبب للاهتمام أو تلاشي ذلك المسبب يترك خلفه شخصيات لها إعجاز النخل الخاوية، وفي مثل أيام العيد وتبادل التهاني، تظهر أعجاز النخل الخاوية، ليس في ذاتها وإنما كونها فقدت جوهر اهتمام الناس بها، ولا يبقى في محيطهم إلا الأوفياء، كما أنه درس لمن هم ما زالوا تحت الأضواء، يكون درساً مهماً إذا تنبهوا بما صار عليه من سبقهم من رفعة أطفئت بتقاعدهم ورحيل الضوء إلى جهة أخرى.

وجمال الحياة أن تكون مضيئاً أينما كنت سواء كنت في الأعالي أو في حفر الحياة العميقة.

كن في صدر المجلس بأي زمن كان، وهذا الوضع لا يصل إليه إلا من كان غنياً في ذاته من غير أي لوازم أخرى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد