: آخر تحديث

هل من تغيير بعد التشييع؟

4
5
4

مع يوم تشييع الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين، نشر موقع «شفاف» مقالاً مع فيديو عن جنازة الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، بعنوان: «وفاة طاغية»، ومما جاء في المقال: «هنالك الأفلام السوفياتية الرسمية لجنازة الديكتاتور السوفياتي الذي نافسَ أدولف هتلر في عدد ضحاياه، وهنالك فيلم وحيد (غير رسمي) تم التقاطه من إحدى شرفات السفارة الأميركية في موسكو. إحدى اللقطات المقربة تُظهر التابوت مغطى باللون الأحمر ومزيناً بقبعة ستالين العسكرية الشهيرة، وتبدو فيه نافذة لرؤية وجهه للتأكد من وفاته. طبعاً، أقسمت القيادة السوفياتية على (الاستمرار في خط جوزيف ستالين)، لكن نيكيتا خروتشوف كشف في خطاب سرّي أثناء مؤتمر لـ(الحزب الشيوعي) عن أن ستالين كان ديكتاتوراً ومجرماً».

نصل إلى مراسم دفن نصر الله وصفي الدين، التي كانت أكثر من عملية تكريم لقادة قتلهم العدو الإسرائيلي، فالتحشيد الذي سعى إليه المنظمون والجهد وتكلفة الاحتفال فاقت كل تصور، في الوقت الذي توقفت فيه «مؤسسة القرض الحسن» عن سداد إيداعات الزبائن، وأصبح معلوماً أن «الحزب» لم يدفع معاشات المقاتلين وعائلات الشهداء منذ بداية هذا العام. وقد نشط مَن بقي من القادة الميدانيين والنواب في الاتصال الحثيث بفعاليات لبنان من جميع الأطياف والإلحاح على حضورهم، إلا إن الجهد الأكبر كان السعي لتأمين حضور شعبي ضخم وعارم. ولقد أعلن رجال دين الطائفة الشيعية في خطب صلاة الجمعة التي سبقت الدفن أن حضور المراسم تكليف شرعي لا مناص منه مهما كانت الصعاب، وأن عدم الحضور هو عدم وفاء وتقدير لنصر الله وخليفته.

وإلى جانب ذلك، أطلق «الحزب» أبواقاً في الإعلام التابع ومنصات التواصل نادت بشعارات المظلومية والإهانة للشيعة واتهام الدولة، ممثلة في رئيسها ورئيس الحكومة، بالخيانة والصهينة، وافتعل مؤيدون لـ«الحزب» أحداثاً، مثل «مظاهرات الدراجات»، كانت تطلق شعارات طائفية مستفزة في مناطق عدة. وأقفل بعض العناصر التابعين لـ«الحزب» طريق المطار الدولي؛ احتجاجاً على عدم إعطاء تصريح بالهبوط لطائرة «ميهان» الإيرانية، التي أعلنت إسرائيل أنها تنقل أموالاً إلى «الحزب» وحذرت بأن هبوطها سيؤدي إلى ضرب المطار. ثم افتعل بعض المؤيدين إشكالاً في صالة المسافرين بالمطار انتشرت صوره على منصات التواصل، وتعالت فيه صيحات مؤيدة لـ«الحزب» ومهينة لمن يعارضه. كل ذلك أحدث فوضى قبل تولي حكومة العهد الأولى مهامها التي، لأول مرة منذ عقود من الزمن، لا يملك «حزب الله» أي قدرة على تعطيل القرارات فيها.

لم يحدث في أي بلد بالعالم أن تكون الدعوات ملحة لحضور مراسم دفن القادة كما فعل «الحزب»، ففي كل الجنازات يحدث تحرك شعبي عفوي دون دعوات ولا مناشدات، ويتدافع الناس من تلقاء أنفسهم وراء نعوش القادة الكبار لوداعهم حتى يُوارَوا الثرى. هكذا كانت جنازات المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو في الهند، وجمال عبد الناصر، وياسر عرفات، وبشير الجميل، ورفيق الحريري، ووينستون تشرشل في بريطانيا، والملكة إليزابيث الثانية قبل 3 سنوات، التي وقف خلالها الناس لساعات طويلة على أرصفة الطرق لرمي زهرة وإلقاء تحية خلال مرور الموكب... وجميعها كانت حضوراً شعبياً عفوياً دون دعوات ولا مبارزة أو تبجح بأعداد الحضور التي مهما كبرت لا تُبنى بها دولة.

إلا إن الأمر يتعدى قضية تشييع قادة لـ«حزب الله» اغتيلوا خلال المعارك، فقد ألحقت إسرائيل هزيمة عسكرية بـ«الحزب»، وفرضت «وقفاً لإطلاق نار» شروطه فعلياً استسلامٌ يشمل جميع أراضي لبنان، وبهذا تبخر وعد نصر الله الصادق الذي لخصه بعبارة: «نحمي ونبني»، وادعاءات ردع العدو بـ«الصواريخ الذكية» التي تصل إلى «ما بعد بعد حيفا». وقد لمس اللبنانيون عموماً، وبيئة «حزب الله» خصوصاً، أن وعود نصر الله لم تكن صادقة، وأن البناء تهدم ولم يستطع حمايتهم وهم في حالة ضياع بين واقع على الأرض يدل، بما لا جدال فيه، على أن «الحزب» مُني بهزيمة كبيرة، وما تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي على علوّ منخفض فوق بيروت خلال التشييع إلا تذكير بمن له الغلبة (خصوصاً أن تلك الطائرات، «إف35» و«إف16»، من النوع ذاته الذي رمى قنابله وأطلق صواريخه وقضى على الأمينَين)، وبين ادعاءات النصر التي يرددها قادة «الحزب» الذين يقولون إن «حزب الله» لما يزل موجوداً أمام جبروت وبطش أقوى جيوش العالم، «وعليه فهو منتصر»!.

لقد سعى بعض القادة في «حزب الله»، الذين بقوا على قيد الحياة، وعلى رأسهم نعيم قاسم، إلى رفع المعنويات وتنفيس الاحتقان من خلال جنازة نصر الله وخليفته، وإظهار مدى تكاتف البيئة الشيعية من ورائه رغم تفوق إسرائيل العسكري الذي قتل وهدم وأحرق المدن والقرى. وهؤلاء القادة يعلمون جيداً أنه في اليوم التالي بعد الدفن لن يستطيعوا معالجة الأزمة المالية ولا فتح معابر الإسناد البرية، ولن يغيروا في بنود اتفاق وقف إطلاق النار التي تقيد حركة «الحزب» جنوب نهر الليطاني وشماله، وهؤلاء يعلمون أن عمليات التخريب والفوضى والتعطيل لن تجدي، وأنها ستواجَه بحزم لم يُختبر قبلاً. وفي قراءة لخطاب التأبين الذي ألقاه نعيم قاسم مؤشرات عدة بالتسليم لسلطة الدولة، و«دستور الطائف»، وحماية الوحدة الوطنية. إلا إن هناك البعض في «الحزب»، الذين يعارضون هذا التسليم ويعدّون أن المعركة مستمرة، سيحاولون إبقاء نهج الممانعة والمقاومة والتعطيل، تلبية لأوامر إيرانية، وسيكون على لبنان أن يتحمل نتائج أفعالهم قبل أن تتمكن الدولة من بسط كامل سلطتها.

إن الانقسام داخل قيادة «الحزب» سيستمر، وستستمر معه حال الضياع في البيئة بين الانهزام والانتصار؛ بين تسليم السلاح واستمرار المقاومة، إنما هذه المرة في الداخل اللبناني، وبين سلطان الدولة وفوضى الميليشيا المذهبية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد