: آخر تحديث

حبل الغسيل والحبلية

3
3
3

أحمد المغلوث

في ليلة شتاء باردة تشبه إلى حد ما برودة الأجواء هذه الليلة التي أكتب فيها هذه الحكاية، وكانت فرصة عظيمة وسعيدة لكونها سوف تعود لأيام طفولتها عندما كانت تشارك شقيقتها وبعض من صويحباتها.

في «المطوعة» عندما كانت تتعلم قراءة القرآن الكريم وحفظ جزء «عم» وحتى الكتابة كانت الجدة العجوز مهيبة تتدلى بعض من شعيرات رأسها الأشيب من خلال حجابها الأسود والمطرز بخيوط الزري والذي ينساب بعض منه على جبهتها المعروقة متحدية حجابها، ومع الأيام تعوَّد أطفال الأسرة بنين وبنات، وفي عادة متوارثة التواجد في بيت الجدة ليلة الجمعة من كل أسبوع، وكانت أم عبداللطيف من أشهر سيدات المدينة حيث يتوافد إلى مجلسها الأحفاد من الأبناء والبنات من الأسرة وخارجها، فهم يعلمون أنها الأكثر ثقافة ومعرفة في ذلك الزمن، وبالتالي كان يطيب لهم الجلوس في مجلسها الدافئ بجانب «الوجاق» والذي صفت خلفه وعلى رفوفه المبنية من الجص الناصع البياض وزادها جمالاً تلك الزخارف التي تحاكي الزخارف المستوحاة من النقوش السائدة في الأحساء منذ القدم. كان الجميع يصيخون السمع لأم عبداللطيف وهم يتناولون حلوى «الساغو» الساخن ويتلذذون باحتساء فناجيل الليمون بالجنزبيل والزعفران، ولسان حال كل واحد منهم يردد بينه وبين نفسه يا ليت تقولين لخادمتك أمً سالم تزيدنا من هذا المشروب لنتشرب منه، ومن حكاياتك العذبة، فراح بعضهم يطلبون منها أن تتحدث لهم عن حكاية لطيفة ما زالت تسكن ذاكرتها حتى اليوم، فتطلعت للفتاة الصغيرة فوزية والتي كررت الطلب بإلحاح، وقالت لها باسمة ياما في «الجراب» يا بنتي ولكن سوف أحكي لكم حكايتي مع «حبل» الدروفة، وكان في الماضي من أحب الألعاب إلينا نحن البنات اللواتي كنا في أعماركن نعشق لعبة «الدروفة»

أو كما تعرف في بعض البلاد بالمرجيحة، وكانت والدتي -رحمها الله- تخفي عني وإخوتي وشقيقتي «الحبل» الذي كان مخصصا لنشر الغسيل عليه خوفاً من استخدامه للعب به في ألعاب الدروفة والحبلية والنطة خوفاً من تعرضنا للسقوط أو مكروه، وفي يوم جمعة ذهبت والدتي لبيت جدتها كعادتها القريب من بيتنا هذا. ودعتني شقيقتي الكبرى أن نفك حبل الغسيل بعد نشر الثياب المبلولة التي لم تجف على جدار السطح والذي يفصل بين سطح بيتنا وبيت جيراننا وبالتالي نستخدمه في اللعب، وهذا ما حصل والحق أننا استمتعنا به في لعب أكثر من لعبة لكن قدر الله وما شاء فعل لقد سقط شقيقي الصغير عزوز وهو يقفز على الحبل في لعبة «الجبلية «ووقع على رأسه لكن -الحمد لله- لم يكن الحبل مرتفعاً وإلا كانت الإصابة سوف تكون خطيرة -والحمد لله- أصيب «بفلعة» في جبهته وخدش بسيط في الساق، ومع هذا كنا وأكثر من ساعة ونحن نعيش الخوف خاصة بعدما برز ورم في جبهة شقيقنا عزوز مع بعض الدم -والحمد لله- كانت شقيقتنا قد جاءت مسرعة من المطبخ إلينا وحملت شقيقنا إلى رواق البيت وهي -تحمد الله- وتسمي عليه وطلبت مني أن أحضر ثوم وهاون «نجر» ثم قامت بدهسه داخل الهاون، ثم أخذت قليلا منه ووضعته على «الفلعة»، وكذلك على الخدش الذي في الساق كان عزوز المصاب يتأوه من الوجع، وهو يرقد على «دوشق» الرواق ورأسه المصابة في حضن شقيقته سارة، وفجأة عاد الأب من صلاة الجمعة، وهو يحمل لفة داخل إزاره تطلعت إليه سارة مستغربة، فهذا الإزار يشبه إزار والدها فجأة رمى والدها اللفة تحت قدميها، وقال بغضب أخجلتوني مع جاري بو فهد لقد طلب مني أن أقف لحظات أمام باب بيته فلديه شيء مهم يريد أن يعيده لي وسلمني إياها، وقال باسماً لقد سقط إزارك وسروالك المنشور على جدارنا المشترك، وأضاف ساخراً أليس لديكم حبل

غسيل تنشرون عليه ملابسكم. فتعجبت مما قاله، واعتذرت له ولم أعقب. والآن يا سوير قالها والدها بحنقة أخبريني بصدق ماذا حدث فراحت سوير تحكي له الحكاية بصوت متهدج، وكل كلمة قالتها تكاد تهتز من الخوف، وخلال ذلك إذا بوالدتها تعود من بيت جدتها فدهشت مما شاهدت وسمعت، وقالت الأم بينها وبين نفسها عليها أن تعاقب سوير وشقيقتها منور، ولكن ليس الآن وعليها أن تكون حكيمة في مثل هذه الأمور، وحمدت الله انً قميص نومها «شلحتها» لم تسقط عند بيت جيرانها.. كان الفريج كله عرف الحكاية وحتى لون القميص الأحمر، وكان كل من يستمع إلى أم عبد اللطيف يتابعون بشغف كل كلمة من حكاية حبل الغسيل والحبلية..


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد