: آخر تحديث

مصر وغزة: دور يتجاوز الخلاف مع "حماس"

4
4
4

لا تستغرب ترويج حركة "حماس" والمنصات والقنوات التي تعبر عنها، أو تستخدمها، لانتصار الحركة على إسرائيل وأميركا والغرب وكل الجهات التي عارضت عملية "طوفان الأقصى" أو انتقدت جموح "حماس" وحساباتها الخاطئة؛ فمعايير الانتصار لدى كل الحركات والجماعات والتنظيمات والأحزاب المتأسلمة تختلف تماماً عن معايير العلم والسياسة والمنطق وموازين القوى العسكرية. ففي أدبيات هؤلاء وعقولهم "الجهاد غاية"، و"الموت أسمى أمانيهم" والخسارة مجرد "محنة"، أما هؤلاء الذين راحوا ضحايا الحرب وليسوا من عناصر "حماس" أو غيرها من التنظيمات المتحالفة مع الحركة "فسيبعثون على نياتهم" والوطن مجرد "حفنة من التراب". في هذا السياق، يمكن فهم المشهد أثناء تسليم الأسيرات الثلاث إلى الصليب الأحمر في حضور عشرات من عناصر "حماس" بالزي العسكري والأسلحة الخفيفة وسيارات الدفع الرباعي، فالهدف ترسيخ اعتقاد بأن "حماس" لم تهزم، وأن لديها القدرة على فرض نفوذها في غزة في المرحلة المقبلة. كذلك لن تجد "حزب الله" أيضاً يتحدث عن خسارة حرب وإنما يروج لما سببه الحزب من أذى لإسرائيل ورعب لسكان الشمال وأعداد الذين كانوا يهرعون إلى الملاجئ مع كل صاروخ أو مسيرة أطلقت إلى المدن الإسرائيلية. ولن تسمع من قادة "حماس" إلا أحاديث عن صمود مقاتلي الحركة ومخاوف أهالي الأسرى الإسرائيليين واقتصاد الدولة العبرية الذي تأثر، والشبان الإسرائليين الذين رفضوا الالتحاق بالجيش أو فروا منه أو أصيبوا بالصرع. أما الأهداف التي أعلنتها "حماس" لطوفان الأقصى كتحرير القدس والضفة وغزة وكل المدن الفلسطينية وطرد المحتل، أو نتائج الحرب كتدمير قطاع غزة وسحق بنيته التحتية وتحويل منازل أهله وبيوتهم إلى ركام أو خسارة 50 ألف روح و15 ألف تحت الأنقاض وجرح نحو 150 ألفاً ونزوح وتشريد نحو 2 مليونين من الفلسطينيين وتوفير الذريعة للاحتلال ليقضي على كل المقاومين... فمجرد تفاصيل لا تساوي الانتصار الذي تحقق! طبيعي أن يفرح الشعب الفلسطيني في غزة ويحتفل باتفاق وقف العدوان الإسرائيلي، فهم الذين عانوا تداعيات جموح "حماس" وحسابات قادتها الخاطئة وأكاذيب القنوات الموالية لإيران ومنصات تنظيم الإخوان وفبركات إعلام الممانعة والإسناد، ودفعوا أثماناً باهظة من أرواحهم ودمائهم ومكتسباتهم دون أن تحميهم "حماس" أو تمنع عنهم إيران آلة الحرب الإسرائيلية، أما الذين تاجروا بأهل غزة وتضحياتهم فهم أنفسهم الذين يسعون الآن إلى ركوب موجة الانتصار الوهمي لـ"حماس" التي أتت بالمحتل وتسوّق الآن، ومعها كل حلفائها ومستخدميها، لانتصار لم يحرر القدس ولم يطرد المحتل ولم يخلف سوى الألم والتشريد والأوضاع الكارثية والذكريات المؤلمة... بالنسبة لمصر فمعروف أن العلاقة بين الإدارة المصرية وحركة "حماس" شهدت على مدى السنوات، التي أعقبت أحداث كانون الثاني/ يناير 2011 تدهوراً وصل إلى الذروة، عقب ثورة الشعب المصري على حكم الإخوان وإطاحة محمد مرسي عن المقعد الرئاسي، إلى درجة إدانة عدد من قادة ورموز الإخوان، بأحكام قضائية، بينهم مرسي نفسه، بتهمة التخابر مع الحركة، أضيفت إلى قضايا أخرى تتعلق بالإرهاب اتهم فيها أعضاء في حركة "حسم"، التي تعد جناحاً عسكرياً لجماعة الإخوان، وكذلك تنظيم "داعش" في سيناء بالتدريب على أيدي عناصر من كتائب القسام، واستخدام الأنفاق ما بين الحدود المصرية مع القطاع في نقل الأسلحة والمتفجرات، ناهيك بالطبع عن التحقيقات المصرية التي أثبتت مشاركة أعضاء من "حماس" في هجمات استهدفت السجون العام 2011، أفضت إلى فرار بعضهم وظهورهم في وسائل الإعلام من قطاع غزة وسط مظاهر احتفالية، لكن مصر لم تتوقف عن أداء ما تعتبره واجبها نحو القضية الفلسطينية وتصدت لمخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء واعتبرته خطاً أحمر لا يمكن أن تقبل بتجاوزه، وسعت منذ عملية طوفان الأقصى إلى تخفيف معاناة الفلسطينيين، والتعامل مع كوارث "حماس" وردود أفعال إسرائيل عليها، ورغم تجاوزات عناصر في "حماس" ومؤامرات "الإخوان" وحلفائهم وتطاولهم على مصر، بل والتحريض عليها، تجاهلت القاهرة تلك التصرفات ومضت في أداء واجبها الوطني والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني حتى توجت جهودها، مع باقي الوسطاء، للوصول إلى قرار بوقف إطلاق النار. كانت صدمة الإخوان وعناصر "حماس" والدول والجهات والأجهزة التي تمول حملات الانتقاص من مصر كبيرة بسماع الأغاني الوطنية المصرية عبر مكبرات الصوت في غزة، بينما شوارعها جرى تغطيتها بملصقات وصور للسيسي حلت محل أخرى كانت مثبتة لسنوات في الأماكن نفسها مع قادة "حماس"، مصحوبة بعبارات تبشر الفلسطينيين بأن أصحابها يستعدون لتحرير القدس ثم تبين أنهم تسببوا في كل الكوارث التي مني بها قطاع غزة وأهله!!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد