عبداللطيف الضويحي
لا توجد دولة قامت وتأسست على ادعاءات كاذبة وحجج واهمة كما هي الحال في فلسطين المحتلة بالاستناد للادعاءات والحجج التاريخية الوهمية التي يستند لها الكيان الغاصب في فلسطين. وفقاً لسردية دينية تتناقض تماماً مع ما يعتقده ويؤمن به اليهود الحقيقيون والجمعيات اليهودية العالمية، التي لا تقر ولا تعترف بإسرائيل ولا تقبل باحتلال إسرائيل لفلسطين استناداً لمنطلقات دينية يهودية، فضلاً عن الركائز الأخلاقية والقانونية. فلماذا يتم السماح للمستعمرين الغربيين من خلال الكيان الغاصب بأن يتجاوز الجمعيات اليهودية العالمية بادعاء إقامة دولة يهودية في فلسطين دون إقرار وموافقة وقبول يهود العالم والجمعيات اليهودية العالمية؟
فخلال عقود طويلة من الزمن مارس هذا الكيان والمستفيدون من مشروعه مبدأ (اكذب واكذب حتى يصدقك الآخرون)، وقد كذبوا وكذبوا كثيراً من خلال توظيف الجوقة الإعلامية والسياسية الغربية خاصة الإعلام والسياسة الأمريكيين، إلى أن جاءت الحرب العالمية الأخيرة على غزة، فكشفت القناع وكسرت الصورة (إسرائيل الإنسانية والديموقراطية) لهذا الكيان فأفاق العالم على أبشع صور وأقبح أخلاقيات يمكن أن توجد عند حثالات الشعوب، كان يخفيها هذا الكيان خلف ادعائه وتباكيه بأنه ضحية تاريخية وأنه حمل وديع. فأصبح كياناً ملاحقاً من محكمة العدل الدولية، ومطالباً من محكمة الجنايات ومطارداً قادته وساسته وجنوده في دول العالم. فكيف استطاع الإعلام الغربي والساسة الغربيون خلال عقود من الزمن ترويج وترسيخ صورة العصابات والمافيات التي تحتل فلسطين وتقديمهم بصورة نقيضة تماماً لحقيقتهم وما هم عليه من إجرام ووحشية وعنصرية وقبح؟
فكرة دولة إسرائيل فكرة خيالية غير واقعية؛ لأن إسرائيل نبتة بلا جذور. فقد أثبتت الحرب العالمية الأخيرة على غزة أن أقصر المسافات بين الواقع والخيال لا يتجسّد مثلما يتجسّد في الحروب. فقد تهشّمت السردية الإسرائيلية في أذهان مئات آلاف المستوطنين الذين عادوا إلى بلدانهم الحقيقية في أوروبا والعالم بعد أن أدركوا حجم الكذبة الإسرائيلية الغربية، بعدما أفاقوا على أنهم ليسوا في دولة حقيقية طبيعية! فهل هناك دولة حقيقية طبيعية، لا يستطيع سكانها اللجوء أثناء الأزمات والحروب إلى أيٍّ من دول الجوار، إلا الكيان الإسرائيلي الغاصب في فلسطين؟
يدرك أصحاب المشروع الاستعماري الغربي الغاصب لفلسطين حجم المخاطر التي يواجهها هذا المشروع وصعوبة تحقيقه على أرض الواقع، ويدركون كذلك حجم المخاطر التي يتسبّب بها هذا المشروع الاستعماري الفريد لدول المنطقة العربية والإسلامية. فهو يعد آخر بقايا الاستعمار الغربي في العالم؛ ولذلك أحاطوا هذا المشروع بعدد من السياجات والتحصينات والمتاريس العسكرية والأمنية والاقتصادية والتقنية منذ ولادته. أحد أهم تلك المتاريس التي تقف وراء المشروع الاستعماري الغربي في فلسطين وتحميه وتدعمه بكل أنواع الدعم هو الدعم العسكري الغربي خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الفيتو الأمريكي، يأتي بعد ذلك وقبله أخطبوط «الحركة الصهيونية» الداعم القوي للمشروع الاستعماري الغربي في فلسطين، يليه البعد اليهودي «الدولة اليهودية» التي لا تمثل اليهود الحقيقيين والجمعيات اليهودية في العالم بقدر ما تمثل شريحة محدودة من يهود العالم، ثم يأتي سياج آخر صنعتها السردية الغربية الإسرائيلية لحماية الكيان الغربي المحتل في فلسطين وهو قانون «معاداة السامية» الذي يستخدم ضد كل من ينتقد ويقوض السردية الإسرائيلية في الإعلام والجامعات والمنابر الغربية السياسية والأكاديمية والعلمية والفكرية والثقافية الغربية.
يأتي بعدها مبدأ «الدفاع عن النفس» الذي سمعناه كثيراً أثناء حرب الإبادة الغربية ضد الشعب الفلسطيني في غزة على لسان أغلب القيادات السياسية الأمريكية الأوروبية، حيث إن جرائم إسرائيل كلها حق مقدس ضد أي دولة وضد أي منظمة حتى ضد الأونروا ومنظمة الصحة الدولية عكس الطرف الذي تعتدي عليه إسرائيل. فإسرائيل وفقاً للعقلية الاستعمارية الغربية هي المتفردة حصرياً بحق الدفاع عن نفسها طبعاً لأنها تمثل المشروع الاستعماري الغربي في قلب العالم العربي الإسلامي وأفريقيا.
الإبادة الجماعية التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة بسبب السلاح الأمريكي والفيتو الأمريكي، فضحت ربما لأول مرة النفاق الغربي الاستعماري في المنطقة الذي لا يقف عند حدود دولة فلسطين، فهذا المشروع الاستعماري الغربي يراد له أن يمتد إلى كل الدول العربية المجاورة لفلسطين ولاحقاً إلى دول عربية وأفريقية أخرى.
على الدول العربية والإسلامية والأفريقية أن تتصدى لهذا المشروع الخطير واستثمار الصحوة الغربية الكاسحة بين الشباب والجامعات في أمريكا وأوروبا، بعد تهشم الصورة وتكشف السردية الإسرائيلية الغربية الاستعمارية والانقضاض إعلامياً وسياسياً وثقافياً وفكرياً وعلمياً وحقوقياً على المشروع الاستعماري الغربي الإسرائيلي والقضاء عليه قبل أن يبتلع المنطقة وشعوبها وثرواتها و حضاراتها وقبل فوات الأوان.
هذا مشروع استعماري غربي توسعي على حساب الحضارة والشعوب والتاريخ العربي والإسلامي والأفريقي، خاصة أنه يلتقي مع الإستراتيجية الأمريكية في مجابهة النفوذ الصيني والنفوذ الروسي، خاصة بعد طرد فرنسا من أفريقيا، بجانب الحالة الاقتصادية الألمانية المتردية وأزمة الطاقة بين الأوروبيين وروسيا.