: آخر تحديث

تأسيس أقسام للطوارئ الثقافية

18
17
22

هل فكّرت المؤسسات الثقافية العربية في تنظيم يوم حساب عسير لتقويم الأوضاع الثقافية السائدة في العالم العربي؟ عمليّاً، الأفضل أن يتولى كل فريق النظر في شؤون بلده، فأهل الأقطار أدرى بشعابها وتشعباتها وشعوبها. إذا حدثت المعجزة وتحققت في بعض بلاد العُرْب أوطاني، فحينئذ يمكن خوض غمار الخيال العلمي، والتفكير في عمل عربي ثقافي مشترك. المفارقة، المأساة الملهاة، هي أن السهل أن يلبّي الجميع الدعوة إلى مهرجان رقصات ودبكات، في حين يتثاقلون، كأنهم على سطح نجم نيوتروني، إذا قيل: هلمّوا إلى بحوث علمية ودراسات أكاديمية، لمعرفة علل الانهيارات الثقافية. إنه لا يستقيم في عقل عاقل هبوط ثقافي عام، بمعزل عن اختلالات عامّة واقعة عينيّة ملموسة.

لك أن تُصدر أحكاماً أشد صرامة. لماذا وقعت الأوساط الثقافية العربية في خديعة الخلط بين أصالة الحركة الثقافية الفاعلة، وبين مظاهر الثقافة الاستعراضية. ثمة مشاهد مضحكة تثير الرثاء. في المهرجانات والعروض الموسيقية التنافسية، لا يتجلّى أيّ إبداع جديد في النظرية والتطبيق، وتكون الحصيلة منحصرة في اكتشاف أصوات جيّدة في أداء أعمال موسيقية تعود إلى عقود القرن العشرين، أيّام الأساطين، ذلك بإيجاز سخرية من الموسيقى ومن الذوق العام. الحدث هجاء للجهات المعنيّة بهذا الفن. غير خاف أن 95% من الإنتاج الموسيقي في العقود الخمسة الأخيرة، كالميّت إكرامه دفنه. أين نوابغ التأليف الموسيقي الذين يبدعون الروائع، حتى تسعوا إلى اكتشاف الحناجر الذهبية؟ أم غاب الإبداع فتمثلوا بقول المعرّي: «ما نرانا نقول إلاّ قديماً.. ومُعاداً من قولنا مكرورا»؟ شعرية الكلمات كانت في الذرى، فباتت يأنف منها الثرى، وكان لها ثراء، فصارت هراء. القياس خدعة أحياناً إذا ظنّوا أن أمّ كلثوم ظهرت فغدت ثورة تغيير، فالاستنساخ ممكن.

خطورة الأوضاع الثقافية، هي تماثل الحالات. الاعتلال جماعي، مرايا عاكسة لحالة باثولوجية واحدة. انخفاض شديد في منسوب الإبداع. المقلق هو أن المفكرين والمثقفين والإعلاميين ومراكز البحوث والدراسات، غير مكترثين. بلا مزاح، حالة تستدعي إطلاق صفارات الإنذار في كل المدن. منذ عقود استقال نقاد الآداب والفنون. يجب تأسيس أقسام للطوارئ الثقافية. تتوقف سيارة الإسعاف، يوضع الفنّ المصاب على النقالة، ويركضون به إلى غرفة العمليات، لإجراء عملية احتباس الإبداع.

لزوم ما يلزم: النتيجة التريّثية: هدّئ من روعك أيها الفنّان العربي، فالتغيير ليس غداً، وإلى أن تستوعب الأوساط الثقافية هذه المشاغبات، سيطول اليوم أكثر من قرن.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.