: آخر تحديث

يقتربون من أكل أوراق الشّجر... هل آن الأوان لإعلان...

19
18
28

ليست القذائف والصواريخ وحدها التي تقتل أطفال غزة وأمهاتهم وآباءهم وأشقاءهم. يقتلهم أيضاً المرض ونقص الغذاء. تقول المرأة الخمسينية في فيديو منتشر في مواقع التواصل الاجتماعي إن المهجرين المقتلعين من منازلهم في مختلف مناطق القطاع باتوا على مقربة من أكل أوراق الشجر والأعشاب ـ إذا وُجدت ـ لسد جوعهم الموجع.

تتكرر الصور وتتوالى من القطاع المحاصر والمدمر والواقع تحت القصف المتواصل بمختلف أنواع الأسلحة والقذائف. نساء وأطفال خصوصاً، يعانون سكرات الموت وهم يتسابقون على حصة غذائية أو مغرفة معكرونة مطبوخة ببعض اللحم ومرقة البندورة تقدمها لهم منظمات إغاثية عالمية في مشهد يحمل من الذل والقهر أكثر ممّا يحمل من غذاء.

تنقل الصور والتقارير من غزة وقائع مؤثرة ومؤلمة عن معركة التجويع التي يتعرض لها أهل القطاع المنكوب، لا سيما مناطق الشمال التي عاد كثر من أهلها إلى أنقاض منازلهم وأحيائهم ليجدوا أن لا شيء بقي منها. فلا مخازن غذاء ولا آبار مياه ولا مآوي للسكن... والأكثر إيلاماً أنه وسط كل هذا الدمار الرهيب لا مساعدات تصل لتسد الرمق وتروي بعض العطش على الأقل. وليت مياه البحر تروي لذهبوا إليها و"بلا جميلة" العالم كله!

400 ألف فلسطيني مهددون بالمجاعة بحسب مكتب الإعلام الحكومي في القطاع، بعدما نفدت كل الأغذية التي كانت ما زالت موجودة منذ بدء الحرب على القطاع وتهجير أهل الشمال قبل بدء عودتهم مع انتقال المعارك إلى رفح جنوب القطاع. تتحدث الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي عن أزمة حقيقية وتناشدان العالم الإسراع في تقديم المساعدات لإنقاذ أرواح هؤلاء المدنيين المحاصرين من كل الجهات، تعلن الكثير من الدول والهيئات عن تقديم مساعدات لكنها لا تصل إلى شمال القطاع.

المشكلة هنا مزدوجة: فهي أولاً مشكلة تلبية كافية من المجتمع الدولي، وثانياً مشكلة عدم سماح إسرائيل بدخول المساعدات، وهنا المعضلة.

خلافاً لكل قوانين الحروب واحتلال أراضي الآخرين ومعاملة السكان تحت الاحتلال، تمارس إسرائيل حرباً يومية على هؤلاء السكان الواقعين عملياً تحت سلطتها بعدما احتلت القسم الأكبر من القطاع، لا سيما شماله الذي يشمل المدينة وضواحيها ومخيماتها. وهي حرب تفوق في وحشيتها حرب التدمير والاجتياح والتهجير، وفيما يفرض عليها القانون الدولي توفير الغذاء والماء والطبابة وكل مقومات استمرار الحياة للواقعين تحت سلطة احتلالها، تراها تستخدم ضدهم سياسة التجويع والتعطيش انتقامياً، فتمنع وصول أي مساعدة، وإذا رضخت للضغوط الدولية فبالقطارة تمرر أغذية تكفي فقط لمنع الموت جوعاً وليس للحياة.

هنا يصبح السؤال ملحاً عن دور المجتمع الدولي بدوله وأممه المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ومصير قرارات محاكم العدالة الدولية؟ لا تكفي التصريحات وحدها ولا المواقف المنددة بالطغيان الإسرائيلي وتحدي نتنياهو وحكومته المتطرفة كل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية وممارسة أقصى سياسات الإجرام والقهر المعنوي والجسدي لمئات الآلاف من الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال المباشر. العالم كله اليوم مسؤول عن المأساة الفلسطينية، فإذا لم يكن قادراً على وقف الحرب التي يبدو قسم منه متواطئاً فيها مع الإسرائيلي وداعماً له، فعليه على الأقل أن يفرض ما يدعيه من إنسانية يملأ أركانه الفضاء الإعلامي بالحديث عنها إذا تعلق الأمر بأوكرانيا أو بإسرائيل أو بسواهما من الدول الدائرة في فلك ما يسميه الغرب الدول الديموقراطية.

سيُقتل الكثير من الفلسطينيين المدنيين بعد تحت وابل القصف الجوي والبحري والبري وفي عمليات البحث عن مقاتلي "حماس". سيدمر ما تبقى من مراكز طبية ومخازن غذاء وستخضع المساعدات الإنسانية في المناطق المحتلة لتقنين قاس، وسيموت أطفال جوعاً وعطشاً ومرضاً، وستظهر أمراض كثيرة مستقبلاً، وستنشأ أجيال من المعتلين صحياً ونفسياً. وسيكون على العالم أجمع أن يواجه ظواهر خطيرة.

ما عاد الكلام في السياسة ذا نفع، الوضع الإنساني يجب أن يكون هو الأولوية الآن، الإنسان هو الأهم. الإنسان الفلسطيني هو الضحية وهو جوهر القضية، وكل ما عدا ذلك يحرف الأنظار عن هذا الجوهر. ربما آن الأوان لإعلان غزة منطقة جائعة.

يموت أهل غزة يومياً، وتموت معهم الإنسانية. العالم ليس إنسانياً، كان كذلك ولا يزال، كان يغطي نفسه بقشة وأتت الحرب على غزة لترفع تلك القشة وتعريه نهائياً. أما أهل غزة فلهم الله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.