يتولى الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير منصب مدير عام «معهد العالم العربي» في باريس، وقد صادق مجلس إدارة المعهد على القرار في أواخر الشهر الماضي، وبذلك، يكون عبد الأمير أوّل عراقي يتولى إدارة المعهد الذي تأسس في الثمانينات وتشرف عليه وزارة الثقافة الفرنسية، وفي العام ٢٠١٨، حظي المعهد بشخصية العام الثقافية لجائزة الشيخ زايد للكتاب.
توّلى منصب مدير عام المعهد في السابق جاك لانغ لأكثر من دورة، وهو كان وزيراً للثقافة الفرنسية، ويعرف عنه اقترابه الثقافي من اللغة العربية، وعمل دائماً على تحقيق أهداف المعهد التي تتمثل جوهرياً في مدّ جسور ثقافية وحضارية بين فرنسا والبلدان العربية.
جاك لانغ هو من وقّع قرار تولّي شوقي عبد الأمير (٧٥ عاماً) منصب المدير العام لمعهد العالم العربي، وهو موقع ثقافي اعتباري عميق الأهمية والمسؤولية الأدبية والمعنوية، غير أن الأمير يملأ مكانه هذا بتاريخه الثقافي وحيويته المتجددة دائماً، سواء في الشعر أو في المبادرات النوعية تماماً التي كان وراء تأسيسها مثل مشروع «كتاب في جريدة» الذي بدأته منظمة «اليونسكو» في العام ١٩٩٦.
شوقي عبد الأمير مؤسس هذا المشروع الكبير والرّائع حقاً وذلك بمقاربته الأولى من نوعها بين الثقافة والصحافة في وطننا العربي بشكل مهني، واستناداً إلى رؤية ثقافية عربية وهيئة استشارية كانت تتألف من حوالي ٢٥ كاتباً وكاتبة من الوطن العربي يمثلّون نخبة أدبية وفكرية وإبداعية تلتقي في إصدار (تابلويد) تصدره كل رأس شهر حوالي عشرين جريدة عربية في وقت واحد، وإخراج صحفي موحّد.
مشروع كبير، ويتطلب شخصية إدارية وثقافية وأدبية جدّية وعاملة بلا استرخاء، وهو ما كان في طبيعة شوقي عبد الأمير.
غير أن الأمير ليس فقط رجل مشاريع ومبادرات، بل هو قبل ذلك شاعر مثقف يجلس في المقاعد الأولى لشعراء السبعينات العراقيين والعرب، ولعلّ أولى مجموعاته الشعرية كانت «حديث لمغني الجزيرة العربية» وصدر في العام ١٩٧٦.
علامة شوقي عبد الأمير الشعرية لا تقل أهمية عن علامته الثقافية وحضوره الامتيازي والوثوقي في الثقافة الفرنسية وحصوله على مرتبات جامعية مرموقة من «السوربون».
في هذا الوقت العالمي، والسياسي، والثقافي يدير شاعر عربي عراقي مؤسسة ثقافية دولية في عين أوروبا، إن جازت العبارة، بلغتين قوّيتين: العربية أولاً، والفرنسية ثانياً، ويشكل اسمه العربي في الوقت نفسه تحية ثنائية للغتين والثقافتين العربية والفرنسية من خلال موقع مؤسسي محترم في أوروبا الثقافية التي لا تنكر ذاكرتها ولا تاريخها الاسم العربي والصورة العربية التنويرية، قبل أنوار باريس..
صاحب «ديوان المكان» يدرك جيداً تفاصيل وروايات التاريخ، ويعرف أيضاً حساسية مكانه العربي هذا في قارّة الشعر والفن والرواية والمسرح والموسيقى، ومنصبه استحقاق ووراءه تعب وجدّية وسفر وسهر، وعلى مستوى شخصي أعتبر نجاحه هذا نجاحاً للشعر أولاً، لقصيدته العربية الجميلة في باريس.