تعب اللبنانيون من هاجس التهويل بتحوّل الوجود الفلسطيني إلى «فتح لاند» كبير، وتعب الفلسطينيون من الاتهام الدائم لهم، الذي يتخذ طابع التعميم، بأنهم قنبلة موقوتة مرشحة لتفجير الواقع اللبناني.
هاتان الفئتان من اللبنانيين والفلسطينيين، المعنيتان بطي صفحة الحرب الأهلية وذكرياتها المؤلمة، لم تجدا حتى الآن منفذاً إلى صياغة موقف مبني على المصلحة المشتركة اللبنانية الفلسطينية، التي لا تبدو على تعارضٍ جوهريٍ.
هاتان الفئتان، تنتميان إلى مفهوم الدولة في لبنان، وإلى مفهوم الدولة التي يناضل الفلسطينيون لإنشائها، ومن هذين المفهومين، قواعد ونقاط مشتركة كثيرة لا تعارض فيها، ولا عودة إلى الوراء، ولن يكون هناك مجال إن طبق التفاهم، لأي قوة إقليمية أن تستثمر، لا بل أن تستخدم الوجود الفلسطيني، ضد الدولة والشرعية والسيادة اللبنانية.
عن هذه الإمكانية الضائعة حتى الآن، يقول فلسطينيون على تماس مع السلطة الوطنية الفلسطينية، إنّ القيادة الفلسطينية، عبَرت بجرأة منبثقة من المصلحة الفلسطينية، إلى ضفة جديدة تكرست بالمصالحة اللبنانية الفلسطينية، التي تتجاوز عبارات الزجل والأخوة والتضامن، إلى خطوات عملية طبّقها الفلسطينيون، كلها تحترم أسس السيادة اللبنانية، وعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، لا بل الدعوة الصريحة للدولة، لتسلم أمن المخيمات الفلسطينية، قطعاً للطريق على من يوظّفون ورقة المخيمات، ضد لبنان وضد الوجود الفلسطيني في لبنان.
يضيف هؤلاء أن السلطة الفلسطينية، ترجمت هذه الثوابت إلى قرارات، فالجميع يدرك أنّ هناك قراراً صارماً بعدم إقامة أي احتفال خارج المخيمات، وأنّه خلال ثورة 17 تشرين، عُمم على جميع الفلسطينيين بعدم المشاركة في أي نشاط في الشارع، وأن خلال الأزمة مع وزارة العمل منع القيام بأي تحرك خارج المخيمات.
يوجز هؤلاء المطلب الفلسطيني في لبنان بشقين: الأول السماح بالنضال السلمي الديموقراطي من أجل تحقيق انشاء الدولة وعودة اللاجئين، والثاني يتمثل بإعطاء الفلسطينيين الحقوق التي تمكنهم من تحسين ظروفهم الحياتية، أما أي تحرك له طابع عنفي أو غير سلمي، فهناك معارضة رسمية فلسطينية، ودعوة للدولة بمؤسساتها، للتعامل معه بما يؤمن النظام وسيادة القانون.
يكشف هؤلاء أنّ البعض ممن يمثلون السلطة الوطنية الفلسطينية لا يقومون بالدور المطلوب في تظهير الصورة الحقيقية، وهم يعتصمون في خانة التحفظ والتردد، في حين أنّ المطلوب البناء على المصلحة المشتركة اللبنانية الفلسطينية في ارساء علاقة شفافة متبادلة المنافع، تحترم السيادة اللبنانية، وتعطي للفلسطينيين القدرة على توظيف الملف الفلسطيني في خدمة المصالح المشتركة.
تعرّض ملف الوجود الفلسطيني في لبنان للكثير من الاستثمار السيئ الذي ارتد على الفلسطينيين واللبنانيين، من حلقات الاستثمار هذه، زرع خلايا الارهاب في مخيم عين الحلوة، ومحاولة السيطرة على قراره، وآخرها حرب غزة، التي وظفت فيها الكوفية الفلسطينية، كمنصة للتخوين واستعادة لغة خشبية بائدة.
وحدها المصالحة المبنية على المصلحة المتبادلة، ستشكل صمام الأمان، في مرحلة تشهد الكثير من المحطات المصيرية.
فرصة لبنانية - فلسطينية لا يجب أن تضيع
مواضيع ذات صلة