إذا سألتَ: لماذا لا تجد الدعوات إلى تطوير قواعد اللغة العربية صدىً لدى الجهات المعنيّة؟ فالجواب هو أن غياب المنهجية يحول دون ذلك، في حين أن المسألة ليست عويصة إلى هذا الحد. لا أحد يجرؤ، لا قدّر الله، على أنه أعلم من علماء اللغة بلساننا، ولا على أنه أدرى بشعاب العلوم التربوية من واضعي المناهج. لكن، لم نرَ قطّ براهين على أن الجمعين يلتقيان.
من الضروري أن تتكامل أعمالهما، وإلاّ لم تقم للتطوير قائمة. العلاقة بين الطرفين عضويّة، فليس من حق واضعي المناهج أن يتصرفوا بحرية في قواعد اللعبة اللغوية، فهم راسخو الأقدام في العلوم التربوية، البيداغوجية، لا في علوم العربية، كما أن علماء اللغة هم أهل الذكر والنظر في البنى التحتية اللغوية، لا في طرق وأساليب التدريس.
لو طلبت وزارات التربية من صفوة من علماء اللغة تطوير القواعد، فإنهم سينجزون العمل نظريّاً بما قد لا يكون مواكباً لمتطلبات العصر. في المقابل، سنرى التربويين، إذا أقدموا على تطوير القواعد، قد اجتهدوا في أمور تتجاوز الاختصاصات التربوية، إلى ما يشبه اجتهاد جرّاح عام في جراحة الأعصاب.
في الحقيقة، المشهد ليس فيه أيّ جديد أو ابتداع، فالتعاون بين أساتذة المجالين له الكثير من النظائر. في المسرح والسينما، التأليف شيء والإخراج شيء آخر، بل إن المخرج نفسه لديه فريق في الإضاءة والديكور والأزياء... الموسيقار محمد عبد الوهاب لم يكن يوزّع أعماله أوركستراليّاً بنفسه. لك أن تسأل: كيف كان مؤلفو السيمفونية والكونشرتو والباليه يضطلعون بهذه المهمّة من خلال التجربة؟ فلا نعلم أن موتزارت درس في صباه التوزيع الأوركسترالي، وهو علم قائم بذاته.
للذهن أن يذهب إلى بعيد، إلى العلوم المتعددة التخصصات. ما العجيب إذاً في تعاون علماء العربية وخبراء التربية؟ مثار الاستغراب هو أننا لو طرحنا الأسئلة على الطرفين لقطعا بأن تبسيط القواعد وتطوير الأساليب ضرورة قصوى. هل يُعقل تقديم النحو والصرف كما كانا في القرون الهجرية الأولى؟ هل يستطيع المراهق اليوم حفظ «ألفيّة ابن مالك»، أو «الآجرومية».
لزوم ما يلزم: النتيجة الدعابية: حين انتهى محمد بن آجروم من تأليف كتابه، وضعه في الماء قائلاً: «إن كانت الآجرومية خالصة لوجه الله بقيت»، فلما أخرجها وجدها سليمة لم يمسح حبرها. من دون تعليق.