: آخر تحديث

جماعة الطليعة

3
4
2

ليس هذا برثاء، بل كلمة صادقة في حق رجل، كان أحد أعمدة جماعة الطليعة، بوبدر، أو أحمد النفيسي، الذي خلّفَ إرثاً سياسياً ناصع البياض والذمة، وترك برحيله شرخاً عميقاً في قاعدة جماعة الطليعة، وليلحق بذلك بمن سبقوه منهم، الدكتور الحكيم والمداوي السياسي أحمد الخطيب، والوطني المعطاء صاحب القلب الأبيض عبدالله النيباري، ورجل الكلمة الصادقة النبيل سامي المنيس، ومعهم عبدالله البعيجاني، وجاسم القطامي، وراشد التوحيد، وعبدالرزاق الخالد، رحمهم الله جميعاً، وأطال في عمر زميلهم الدكتور خالد الوسمي، بالاضافة إلى غيرهم من الرواد الذين كانت تستظلهم جماعة الطليعة.

لن أنسى ذلك اليوم في نهاية عام 1992، حين تسلّمت مغلفاً أبيض ممهوراً باسم الطليعة، يحوي رسالة من الأخ الكبير الراحل أحمد النفيسي، يدعوني فيها للالتحاق بكُتّاب الطليعة. ذلك المغلف، وتلك الدعوة جمعتني مع جماعة الطليعة، ولتستمر العلاقة والكتابة منذ ذلك التاريخ، وحتى آخر إصدار للطليعة يوم 23 مارس 2016، والذي جاء بعنوان رئيسي لمقال كتبه الراحل أحمد النفيسي، مؤكدًا أن «الطليعة صوت لن يغيب»، ومستعرضاً مسيرة تلك الصحيفة منذ صدورها كمجله عام 1962، وتجربته معها منذ ان التحم معها وبخطها، وذلك في عام 1963، إلى أن كتب بقلمه آخر عناوينها مودعاً وراوياً لمسيرة صحيفة وطنية خالدة بتوجهها ومسارها.

ومن بين 22 يونيو 1962، تاريخ صدور أول عدد من الطليعة، وبين 23 مارس 2016، يوم صدور عددها الأخير، ساد مصطلح جماعة الطليعة، كعنوان يحمل في معناه كل من يقرأ أو يكتب أو يتابع أو يؤمن أو يؤيد خط الطليعة.

جماعة الطليعة ليست تياراً سياسياً، ولا حزباً فكرياً بالمعنى الدقيق للمفردات هنا، وإنما كانت مشروعاً وطنياً وعروبياً، وتوجهاً دخل في تياره شيوخ وشباب، نساء وفتيات، كويتيون وأخوة عرب، فلم يكن ما تطرحه جماعة الطليعة قاصراً على جنس ولا مذهب ولا عقيدة ولا عرق، بقدر ما كانت كصحيفة تتنازعها الهموم العربية، والإقليمية، والدولية والمحلية، فأصبحت جماعة الطليعة مرادفاً لكل أشكال النضال، وكل أوجه مكافحة الفساد، وردع الحروب العبثية، واستنهاض الأمة العربية.

لم تحد الطليعة وجماعتها عن مواقفها، التي بدأتها مشروعاً في عام 1962، فكانت جبهة قوية ضد مؤسسات الفساد، وصوتاً جهوراً في مطالب الإصلاح والاستحقاقات الوطنية الأخرى، لم تحابِ يوماً في موقفها الصارم ضد عبثية بعض الصراعات والحروب، فكان لها موقفها الصارم تجاه الحرب العراقية – الإيرانية، وبالرغم من التهديدات التي كانت تصلها، بسبب عدم دعمها لتلك الحرب، فإنها صمدت، وليكشف التاريخ فيما بعد حجم العبثية في تلك الحرب الخاسرة.

رحل إذاً بوبدر، احمد النفيسي، أحد أعمدة جريدة الطليعة، وأحد رموز جماعتها، وليسقط برحيله ضلعاً بارزاً ساهم في مسيرة وطنية خالدة، وكتب في الكويت رسائل سامية، فكان خير قدوة لشباب الكويت، مدافعًا شرسًا عن قضايا الكويت وأهلها، فكان أن اختتم مسيرته الصحافية في جريدة الطليعة، وفي العدد الذي حمل رقم 2135، قائلاً: «أكتب هذا المقال، ولا أعرف إلى أين سيقودني، فلحظة توقّف الطليعة عن الصدور بشكل نهائي هو حدث تاريخي مهيب في مسيرة الحركة الوطنية في الكويت».

رحمك الله يا أبا بدر، فمسيرتك الحافلة بالعطاء الوطني والأداء المهني الصادق، ستظل باقية في ذاكرة الكويت، وستبقى انت، وكما وصفت الطليعة في مقالك، صوتاً لن يغيب.

خالص العزاء لأسرتك الصغيرة، وللكويت.. أسرتك الكبيرة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد