إيلاف من لندن: جمع حفل تأبين السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل وأحد مؤسسي معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مارتن إنديك نخبة من الشخصيات البارزة، بحضور رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن، والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية في عهد باراك أوباما السيناتور جون كيري، والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية جورج تينيت، إلى جانب مسؤولين حكوميين وإعلاميين وأعضاء من الكونغرس.
شارك في التأبين عبر الفيديو الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ وشخصيات أميركية وإسرائيلية بارزة.
في هذه المناسبة التي استحضر فيها الحاضرون إرث إنديك وتأثيره على السياسة الدولية، قدّم فيسلتر رؤية نقدية وأخلاقية أثارت تساؤلات عميقة حول مستقبل المنطقة.
نحو استعادة العقلانية بعد صدمة هجمات أكتوبر |
الصدمة تمنع العقلانية
في بداية خطابه، سلط فيسلتر الضوء على الأثر النفسي العميق للصدمات التي تعرض لها كلا الجانبين في النزاع. وصف المشهد الإسرائيلي بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر بأنه حالة صدمة جماعية، معتبرًا أن الرد الإسرائيلي العسكري، وإن كان متوقعًا، أسفر عن معاناة مدمرة للفلسطينيين في غزة.
"كل إسرائيلي أصيب بصدمة حقيقية في 7 أكتوبر... ويجب أن يقال الشيء نفسه عن رجال ونساء وأطفال غزة، الذين يتجولون الآن بين الأنقاض في ذهول من الفقدان والألم."
أوضح أن الكوارث الكبرى غالبًا ما تمنح العواطف زمام السيطرة، مما يعيق القدرة على التفكير العقلاني. أضاف أن استمرار هذه الحالة النفسية قد يؤدي إلى إدامة "العقليات التي ارتكبت العنف"، ما يجعل الخروج من دائرة العداء أكثر تعقيدًا.
طريق مسدود
تطرق فيسلتر إلى النزعة الإسرائيلية لعسكرة النزاع مع الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن الحلول العسكرية ليست سوى مسكّن مؤقت لمشكلة أعمق وأوسع.
"لا يستطيع الجيش الإسرائيلي أن يقدم جوابًا للمشكلة الفلسطينية، لكنه يستطيع أن يجعل الجواب أكثر بعدًا."
رغم اعترافه بعدالة الرد الإسرائيلي على هجوم حماس، إلا أنه شدد على أن الاعتماد المفرط على القوة العسكرية يعزز فكرة أن المشكلة الفلسطينية يمكن حلها بالسلاح، وهو أمر نفاه فيسلتر بوضوح، مشددًا على الطابع السياسي لهذا الصراع.
كما أوضح أن فكرة مناقشة السياسة والدبلوماسية في هذا التوقيت تُعتبر لدى كثيرين إهانة للإجماع الوطني الإسرائيلي، لكنها ضرورية للخروج من النفق المظلم.
متى نتحدث عن السلام؟
سأل فيسلتر سؤالًا محوريًا: هل الحرب وقت مناسب للحديث عن السلام؟ وأجاب بالإيجاب، معتبرًا أن اللحظة الراهنة، رغم انفجار العواطف والغضب، قد تكون الأنسب لتصور مستقبل بلا حروب.
استشهد فيسلتر بمشهد درامي من فيلم The Godfather، حيث قرر "فيتو كورليوني"، رغم ألمه وغضبه لفقدان ابنه، أن يوقف الانتقام ويسعى إلى تسوية دبلوماسية.
"الغضب ينهار إلى دبلوماسية. هل يمكننا أن نتعلم شيئًا من هذا؟ هل يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يحولوا الغضب والدمار إلى فرص للتفاهم؟"
اعتبر أن أي حديث عن المصالحة في هذا التوقيت لا يعكس ضعفًا، بل يعكس شجاعة استراتيجية واستعدادًا للتفكير في الأجيال القادمة.
حل الدولتين
عاد فيسلتر إلى التاريخ ليشير إلى قرار الأمم المتحدة عام 1947 الذي أوصى بتقسيم الأرض إلى دولتين، إسرائيل وفلسطين. استدعى هذا الحل باعتباره الخيار الواقعي الوحيد لتحقيق السلام.
"قبل اليهود التقسيم، ورفضه العرب. لكن المفارقة أن الجميع، فلسطينيين وإسرائيليين، سيضطرون للعودة إلى هذا الحل عاجلًا أم آجلًا."
رأى فيسلتر أن رفض فكرة الدولتين من كلا الطرفين يعكس ضيق الأفق السياسي، مشيرًا إلى أن القبول بالتقسيم، رغم صعوبته، هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يوفر الأمن والاستقرار للطرفين.
الدعوة إلى التعقل
في ختام خطابه، قدم فيسلتر دعوة صريحة للتعقل وتجاوز الأيديولوجيات المتشددة، مشيرًا إلى أن التعقل العلماني المستنير بالمسؤولية التاريخية يمكن أن يكون المفتاح للخروج من دوامة العنف.
"إن موت التعقل هو أحد أكثر العواقب المدمرة للروح الأيديولوجية والدينية. ومع ذلك، قد يكون التعقل - وبشكل أكثر تحديدًا، التعقل العلماني - هو الموقف الأكثر تبصّرًا على الإطلاق."
اعتبر أن الغضب والانفعالات لن يقدما حلولًا مستدامة، داعيًا إلى جهد إنساني مشترك يتجاوز الحدود النفسية والسياسية لتحقيق التغيير.
خطاب فيسلتر ليس مجرد تحليل للصراع، بل هو دعوة جادة لتغيير طريقة التفكير والتفاعل مع الواقع. يسلط الضوء على تعقيدات النزاع ويبرز أهمية التفكير الاستراتيجي في وقت يبدو فيه العقلانية ترفًا بعيد المنال.
يدعو فيسلتر الطرفين إلى الاعتراف بالمسؤولية المشتركة عن استمرار الصراع، مشددًا على أن الحل يكمن في التصدي للتحديات النفسية والسياسية التي تعيق التقدم نحو السلام.