بودابست: يستقبل الكاثوليك في المجر ورئيس الوزراء القومي فيكتور أوربان الجمعة البابا فرنسيس الذي يزور البلد للمرة الثانية في أقلّ من عامَين، في ظلّ الاختلافات بالمواقف بينهما حول مسألة الهجرة وحقوق مجتمع الميم-عين والعلاقة مع موسكو.
لطالما اختلف أوربان الذي يقدّم نفسه على أنه "المدافع عن أوروبا المسيحية"، بمواقفه حول الهجرة وحقوق مجتمع الميم-عين، عن رسائل البابا فرنسيس، في محاولة لترسيخ الدين أكثر في الدولة العلمانية إلى حد كبير والترويج لأجندته السياسية.
تعتبر أستاذة اللاهوت في الجامعة النمساوية في غرانتس ريتا بيرينتفالفي، في حديث مع وكالة فرانس برس، أن "هذا النوع من التلقين العقائدي لا علاقة له بالمسيحية الحقيقية".
الحضارة المسيحية
فأوربان يسعى إلى إحياء ما يسمّيه "الحضارة المسيحية" التي قُمعت خلال الحكم الشيوعي الذي دام أربعة عقود في المجر.
وبُعيد وصوله إلى السلطة في 2010، أشرف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على صياغة دستور جديد مليء بالإشارات إلى الله والمسيحية والقيم العائلية التقليدية وبتعديلات لاحقة تنص على أن الزواج ممكن فقط بين رجل وامرأة.
لكن على عكس سلوفاكيا وبولندا المجاورتين، تبقى المجر علمانية إلى حد كبير.
أكد أوربان القادم من أوساط بروتستانتية، أولا أنه غير متديّن قبل أن يقيم علاقات وثيقة مع الكنيسة الكاثوليكية في السنوات الأخيرة. وقاد ما يُعرف بموجة إدخال المسيحية إلى المدارس المجرية.
قبل الحقبة الشيوعية في المجر، كانت 20% تقريبًا من المدارس كاثوليكية، لكن هذه النسبة تراجعت إلى 5% فقط بحلول بداية القرن الحادي والعشرين. مذاك الحين، انتعشت الظاهرة لتصبح 17% من المدارس الابتدائية و25% من المدارس الثانوية كاثوليكية.
وبحسب بيرينتفالفي قد "يكون الكرسي الرسولي قد نظر إلى" مثل هذه الإجراءات، التي تشمل تجديد أماكن العبادة"بإيجابية". لكنها أضافت أنه "هنا أيضًا المكان الذي تظهر فيه التناقضات".
وأوضحت أن "الدولة تتوقع دعمًا غير مشروط" من الكنائس المحلية، مقابل كلّ الأموال والموارد التي توظّفها في المؤسسات الدينية والتعليم.
وفي مؤشر على نفوذ أوربان السياسي، لم يستجب معظم رجال الدين المجريين لدعوة البابا فرنسيس لاستقبال اللاجئين خلال أزمة الهجرة في 2015، وهي دعوة لم تلق صدى ايجابيا لدى أوربان.
وامتنع رجال الدين في المجر أيضًا عن التطرق إلى سياسات أوربان المناهضة لمجتمع الميم-عين والتي نددت بها المفوضية الأوروبية ومنظمات دولية.
في المقابل، أثار البابا فرنسيس جدلًا بمواقفه الليبرالية نسبيًا حيال الميول الجنسية والهوية الجندرية، في ما يتعارض مع معتقدات العديد من المحافظين الكاثوليك.
لكن اليسوعي الأرجنتيني أحبط أيضًا دعاة التحديث من خلال التمسك بحزم بالتعليم الكاثوليكي بأن الزواج هو اتحاد بين رجل وامرأة حصرًا.
في فيلم وثائقي نشرته منصة "ديزني بلاس" في بداية نيسان/أبريل، قال البابا البالغ من العمر 86 عامًا إن "كل شخص هو ابن الله".
وأكد أيضًا في الوثائقي الذي صُوّر خلال لقاء بين البابا وعشرة ناطقين بالاسبانية من حول العالم العام الماضي "ليس لدي الحقّ في طرد أي شخص من الكنيسة".
في كانون الثاني/يناير، قال البابا فرنسيس إن الأشخاص الذين يجرّمون المثلية الجنسية "مخطئون"، معتبرًا أن المثلية "ليست جريمة".
وفيما أقام أوربان أسوارًا من الأسلاك الشائكة على حدود المجر لإبعاد المهاجرين، دعا البابا، المتحدر هو نفسه من عائلة إيطاليين هاجروا إلى الأرجنتين، إلى التسامح مع الفارين من الحرب والفقر.
وندد الحبر الأعظم أيضًا بوحشية القوات الروسية في أوكرانيا، داعيًا بانتظام إلى السلام من أجل "أوكرانيا الشهيدة"، في تناقض صارخ مع المسار الإشكالي الذي سلكته حكومة أوربان.
لكن عشية زيارة البابا للمجر، عمل مؤيدون لأوربان على إلقاء الضوء على ما يجمع البابا بالزعيم المجري.
ويقول الموظف السابق في السفارة المجرية لدى الفاتيكان مارك أوريل إرسيغي لفرانس برس "إن فكر الحبر الأعظم وفكر أوربان ليسا متباعدَين"، في إشارة إلى دعواتهما للسلام في أوكرانيا.
مواقف ناقدة
لكن ناقدين مثل بيرينتفالفي لديهم وجهة نظر مختلفة. فهي تعتبر أن عودة البابا السريعة إلى المجر يمكن أن تعزى إلى رغبته في "إنقاذها من الانحلال الأخلاقي الذي حدث في السنوات الـ13 الماضية".
وخلال زيارته القصيرة لبودابست في أيلول/سبتمبر 2021، دعا البابا فرنسيس المجريين إلى "الانفتاح" على الجميع.
ويقول مدير موقع "غولياشادوي ميديا" بالاج غولياش وهو كاثوليكي ممارس، إن البابا "لن يأتي للاحتفال بعرض أوربان للديموقراطية المسيحية، بل لأن مجتمعنا مريض".
ويضيف أن "إيماننا المسيحي في خطر، كنائسنا مقفرة، ومعظم سياسيينا يصرّحون بأنهم مسيحيون لكنهم لا يمارسون مسيحيتهم".