"الديمقراطيات الغربية في مواجهة الامبراطوريات السلطوية"، ذلك هو عنوان الكتاب الجديد للمفكر الفرنسي نيكولا بافاريز المتأثر بالفيلسوف رايمون أرون، صديق سارتر اللدود، والذي كان يعتبر أن التاريخ كان دائما تراجيديا، وأن من لا يحدس وقوع الكارثة قبل أوانها يدفع الثمن غاليا. وقد قدّمت الصحف والمجلات الفرنسية عروضا مهمة عن هذا الكتاب.
ويرى نيكولا بافاريز أن غزو روسيا لأوكرانيا يمثل مواجهة خطيرة لا بين الدول الغربية وروسيا وحدها، وإنما أيضا مع الصين التي تشترك مع نظام بوتين في قمع الحريات العامة والخاصة، وتتعامل مع حركات المعارضة بعنف وقسوة يتعارضان مع القيم والمبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها سياسات الدول الغربية.
وبحسب نيكولا بافاريز، تتزامن هذه المواجهة مع أزمات داخلية في المعسكر الغربي، مُتمثّلة في تصاعد اليمين المتطرف، وانتشار الشعبوية الفوضوية التي استغلت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لصالحها لتهييج الجماهير، ودفعها إلى الخروج إلى الشارع في تظاهرات ضخمة.
ويقول نيكولا بافاريز بإن الغربيين اعتقدوا أن انهيار الكتلة الاشتراكية بزعامة ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي عام 1990، سيضمن لهم الأمن والأمان، ويُبعد عنهم مخاطر الحروب والنزاعات. وكانت الأنظمة الغربية واثقة شديد الوثوق من أن تفوقها الاقتصادي، والعسكري، والتكنولوجي قادر على أن يحمي الديمقراطية من كل المخاطر. إلاّ أن الأوضاع العالمية أثبتت خطأ هذا التصور منذ مجيء بوتين إلى الحكم.
وبالنسبة لنيكولا بافاريز تبدو الأوضاع العالمية راهنا شبيهة إلى حد كبير بأوضاع العالم في الثلاثينيات من القرن الماضي. إذ أن الأنظمة الغربية استهانت بالصعود المدوي للفاشية في إيطاليا، والنازية في ألمانيا، وغضّت الطرف عن غزو هيتلر لتشيكوسلوفاكيا، وعن ضمّ النمسا إلى الرايخ الثالث. بل أن بعض الديبلوماسيين الكبار في كل من فرنسا وبريطانيا اعتقدوا أن الحوار السلمي مع هيتلر يمكن أن يُبطل المواجهة العسكرية إلاّ أن الأحداث سرعان ما أبطلت توقعاتهم. وقد استغل النازيون تلك الأخطاء الفادحة لشنّ حرب عالمية جديدة.
ويُحذّر نيكولا بافاريز الديمقراطيات الغربية قائلا بإن غزو أوكرانيا من قبل روسيا هو بمثابة ناقوس الخطر. لذا على هذه الديمقراطيات أن تعيد النظر في سياساتها، وأن تقرأ الواقع بطرق تتناسب مع معطيات ومقتضيات الواقع العالمي الجديد إذ أنه من الواضح أن كلاّ من روسيا والصين تسعيان لبسط نفوذهما على جزء كبير من العالم بهدف ضرب مصالح الديمقراطيات الغربية والتقليص من نفوذها.
ومُعلقا على كتاب: "الديمقراطيات الغربية في مواجهة الامبراطوريات السلطوية"، كتب فرانز -أوليفييه غايزبار الذي كان مستشارا للرئيس فرانسوا ميتران في افتتاحيته بمجلة "لوبوان" الأسبوعية يقول بإن رسالة نيكولا بافاريز قبل العاصفة تدعو الغربيين إلى المحافظة على الحرية، وعدم المساومة بها مهما كانت المصالح لأن العالم من دون حرية سيغرق في الطغيان والاستبداد من جديد..