: آخر تحديث
رحلة إبداع دائمة في عالم تحتدم فيه المنافسة

عثمان العمير: ريادة إعلامية وتجديد لا تقليد

91
93
106
مواضيع ذات صلة

نشرت مجلة "المجتمع البرلماني"، التي تطبع بنسخ محدودة لتوزع على النخبة السياسية في لندن، وتصدر بنسخة رقمية، مقالة مسهبة تتحدث عن ناشر "إيلاف" ورئيس تحريرها عثمان العمير، قدم فيها الكاتب المصري - البريطاني المخضرم، المراسل المعتمد في برلمان ويستمنستر، عادل درويش شهادة عن تميز العمير كصحافي وإعلامي، بمشروعات طليعية، سبقت عصرها. إنها شهادة بالتزام الرأي الحر، والرؤية الليبرالية، وتجاوز المالوف.
 
إيلاف من لندن: عندما قدم علماء الأحياء البريطانيون في معهد روزلين الاسكتلندي النعجة "دوللي" مثبتين إمكانية استنساخ الثدييات في فبراير 1997، خالف عثمان العمير تقاليد الإعلام العربي، وجعله "المانشيت" على ثمانية أعمدة في الصفحة الأولى من صحيفة "الشرق الأوسط" المرموقة.
كانت خطوة تحريرية جريئة، فقد تحدى "محرمات" فرضها رجال الدين الأصوليين، لا تلقي ضوءًا إيجابياً على تجارب علمية من هذا النوع؛ كما خرج على تقاليد الصحف العربية التي تمنح الأولوية لأنشطة رئيس الدولة وأخباره.

تجاوز التقاليد
منذ انطلاقتها في عام 1978 بطبعات عدة حول العالم، لطالما ارتبط اسم صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية الرائدة الناطقة بالعربية، بالمملكة العربية السعودية وبناشريها السعوديين. تولى العمير رئاسة تحريرها في عام 1987، وكان السعودي الأول الذي يمضي أكثر من عقد من الزمن في هذا المنصب. ما أن زاول مهام منصبه، فاجأ مراقبي وسائل الإعلام بعدم تقيده بتقاليد المحررين العرب في اتباع الصراط الرسمي المستقيم، وأثار حفيظة المسؤولين باستقلاليته.


 
في غضون أسابيع من انتقاله من رئاسة تحرير "المجلة" الأسبوعية لثلاث سنوات إلى شقيقتها "الشرق الأوسط"، عقد اتفاقية تعاون نشر طويلة الأجل مع صحيفة "إندبندنت" الوليدة حديثًا في حينه، وكانت أول صحيفة يومية بريطانية مستقلة ينشرها الصحفيون أنفسهم، واتفاقية أخرى مماثلة مع كل من "نيويورك تايمز"، و"لوس أنجلس تايمز"، و"وول ستريت جورنال" الاميركية.
وبعد عامين، أطلق العمير نسخة "الأحد" من "الشرق الأوسط"، ووقع اتفاقية نشر مع أسبوعيتي "الصنداي تايمز" و"الأوبزرفر" البريطانيتين.
 
وفرت هذه الاتفاقيات لشريحة واسعة من قرائه تقارير وتحقيقات مترجمة، تنشر في اليوم نفسه مع الصحف الغربية، تقدّمها نخبة من المراسلين والكتاب الأنغلوساكسون. في المقابل، استفادت مكاتب الأخبار الأجنبية، خصوصًا صحيفة "إندبندنت" اللندنية، من التقارير الميدانية المباشرة التي يوفرها مراسلو "الشرق الأوسط" الناطقون بالعربية. وإيمانًا منه بأهمية تبادل المعارف والمعلومات العابرة للثقافات، أفرد العمير أعمدة صحيفته لكبار الكتاب ليقدموا فيها آراءهم وتحليلاتهم الصحافية، وبين هؤلاء وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، والسناتور الاميركي جورج ميتشل – المعروف بدوره في اتفاق السلام التاريخي في إيرلندا الشمالية، والمعلق الأميركي توماس فريدمان الذي مهدت قراءة السعوديين لمقالاته الطريق لإجرائه مقابلة مع ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز (1924-2015)، وإلقاء الضوء على أفكاره عن التسوية الشاملة التي اقترحها للصراع العربي - الإسرائيلي. وقبل أن يصبح الملك عبد الله العاهل السادس للمملكة (2005-2015)، كان العمير التقاه كولي للعهد.


 
نمط غربي
وكان أحد رجال الحاشية الملكية في السعودية قد لاحظ "النمط الغربي للعُمير في التحاور مع القادة العرب"، الذي اختلف عما تعوده من المراسلين العرب آنذاك. لكن ميزة العمير – التي أثارت غيرة صحافيين منه – كانت خبرته التي اكتسبها بمقابلات مع قادة عالميين، مثل الليدي مارغريت تاتشر (1925-2013)، ورئيس الوزراء الأسبق جون ميجور في رقم 10 داوننغ ستريت، والمستشار الألماني هيلموت كول (1930-2017)، والرئيس الفرنسي جاك شيراك (1932-2019)، وميخائيل غورباتشوف، والملك السعودي فهد بن عبد العزيز (1921-2005)، والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (1924-2018)، والحسين ملك الأردن (1935-1999). كما قابل زعماء الخليج والصين وباكستان وإيران ومصر والمغرب وتونس، علي سبيل المثال لا الحصر، ونُشرت مقابلاته هذه في كتابين. وكتب العمير مقدمة النسخة العربية من مذكرات اللايدي تاتشر، ومقدمة تحريرية لمذكرات صديقه الراحل الملك المغربي الحسن الثاني (1929-1999).
 
ثم كانت "إيلاف"، مشروع العمير الرائد كأول صحيفة يومية عربية على الإنترنت، والتي تجمع بين مفاهيم الجريدة الورقية والمواقع الإلكترونية. و"إيلاف" بالعربية تعني التضامن، أطلقها في عام 2001، وجذب إليها كتابًا من ذوي العقلية الليبرالية والديمقراطية والتفكير الحر.


 
أوسع الإعلاميين نفوذاً
نظرًا إلى أن "إيلاف" كانت ولا تزال ملتزمة حرية التعبير، فاق عدد قرائها عدد قراء أوسع الصحف اليومية العربية انتشارًا في ثلاث سنوات. ورغم حظرها مرارًا في العديد من الدول العربية، بما في ذلك السعودية، مسقط رأس العمير، صارت "إيلاف" في السنوات العشر الأولى من مسيرتها أكثر الصحف اليومية العربية قراءة على نطاق واسع، وبلغ عدد زوارها 1.8 مليون قارئ بشهادة المؤسسة البريطانية للتحقق من توزيع الصحف (The Audit Bureau of Circulation) حتى بعد إطلاق عشرات المؤسسات الإعلامية الكبيرة مواقعها الإلكترونية.
 حققت "إيلاف" تطوراً هائلًا في زمن قياسي، وحصدت العديد من الجوائز مثل جائزة الإبداع الفني من مؤسسة الفكر العربي في عام 2007، وصنفتها "فوربس" في عام 2012 عاشر أكثر المواقع اليومية زيارة بين مئات المواقع الإلكترونية في العالم العربي.
 
أما العمير، السعودي - البريطاني، فعُرف بأحد رواد حرية التعبير، وأوسع الصحافيين نفوذاً في الشرق الأوسط.
اختاره منتدى الإعلام العربي في دبي شخصية العام الإعلامية 2006، لإسهاماته في مهنة الإعلام في العالم العربي، كما كرمته مؤسسة آنا ليند بجائزة "إعلام جديد للمستقبل". وواصل العمير الابتكار في وسائل الإعلام من خلال مشروعات رائدة متعددة اللغات.


 
سيرة عامرة
في عام 1991، أسس العمير شراكة "أو آر ميديا" لإنتاج أول فيلم وثائقي شامل عن حرب الخليج الأولى، واستمر في تقديم الأفلام الوثائقية عن الشرق الأوسط وبريطانيا والأميركيتين.
في عام 2004، تملكت شركة العمير أكبر دار نشر صحفية في المغرب، وهي مجموعة "ماروك سوار" في الدار البيضاء، فاستحق لقب "مردوخ الشرق الأوسط". ومن المفارقات أن هذا اللقب أطلقته عليه مجلة المجلة كان يرأس تحريرها قبل 20 عامًا.
إضافة هذه المجموعة التي تُصدر "ماروك سوار" و"لو ماتين" بالفرنسية، و"الصحراء المغربية" بالعربية، و"موروكو تايمز" بالإنكليزية، إلى "إيلاف" و"أو آر ميديا" أصبحت علامة مرحلة انجاز في مسيرته الإعلامية الجامعة.
إلى ذلك، أدى العمير دورًا بارزًا في تحديث الفكر السياسي الإقليمي. وبصفته رئيس مجلس إدارة مجموعة الاتصالات الاستراتيجية في دبي، أثبت أنه أحد أكثر المفكرين الاستراتيجيين نفوذاً في الشرق الأوسط. وغالبًا ما ساهم في التفاهم والسلام كدور إضافي بوصفه مبعوثًا خاصًا بين العديد من قادة الشرق والغرب.

تفاهم من أجل السلام
الجانب غير المعلن من نشاط العمير هو مساهمته في التفاهم والتعاون من اجل السلام، ومآدبه الحوارية هي لمحات من هذا الجاب؛ فضيوف المآدب هم أعضاء مجلس الشيوخ السابقين والحاليين الاميركيين، والبرلمانيين البريطانيين والأوروبيين، وكبار المعلقين والدبلوماسيين. وفي عشاء أخير حضرته قبل إغلاق كوفيد-19 في ربيع 2020، استضاف العمير وزيرًا وأعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي ونائبين وعددًا من كبار الدبلوماسيين والصحفيين البريطانيين والأوروبيين والعرب من ست جنسيات مختلفة.
 
مسكن العمير اللندني، وموقعه الجغرافي، يقصان سيرة حياته المهنية وتطلعاته. فالمسكن يطل على كنيسة سانت كليمنتس العريقة الشهيرة في ستراند، وعلى المحاكم، مع شرفة تطل على شارع "فليت" (شارع الصحافة الانكليزي) بدأ مسيرته المهنية قبل 40 عامًا، وشرفة أخرى مطلة على الطريق إلى "وايت هول" (شارع الدواوين الحكومية) وقصر "وستمنستر" حيث البرلمان. إنه موقع آخر يمثل منطلقًا لاتصالاته وعمله المستمر، حيث يزور كثيرًا أصدقاءه في مجلس العموم، رابطًا السياسة بالسلام والصحافة.
مكتب العمير وشقته معرضان للفنون الكلاسيكية واللوحات والصور القديمة لغرف التحرير الأميركية والبريطانية والكتب النادرة والمخطوطات القديمة. والعمير معجب بالموسيقى الكلاسيكية، يتمتع بذوق رفيع وبمعرفة موسوعية، ترفدها مجموعة رائعة من التسجيلات.


 
ناقة لندن ملاذه
في حفل عشاء صغير أقامه لزوجين ألمان في منتصف العمر زاراه، كانت موسيقى فاغنر ترنّم في الخلفية؛ قام العمير بتصحيح تاريخ المعزوفة لزائريه. شعبيته ومكالماته التي لا تنتهي تصعّب عليه اللجوء إلى عالم الموسيقى الكلاسيكية التي يحبها عندما يكون في غرفة جلوسه الشبيهة بمكتبة بجوار ستراند. يهرب العمير، عندما يستطيع، إلى "ناقة لندن"، يخته الذي الذي دشن في عام 2000، وطوله 31 مترًا، والذي يمثل ملاذه الصيفي لقضاء إجازات قصيرة حيث يمكنه الاسترخاء حقًا، مصغيًا إلى الموسيقى الكلاسيكية أو متابعًا مباريات كرة القدم على التلفزيون، وفي أغلب الأحيان مستوحيا أفكارا جديدة لمشروع صحفي وإعلامي تالٍ. يمنحه يخته "ناقة لندن" خصوصية لم يختبرها أبدًا في أي منتجع، حيث يمكنه العمل أيضًا. وليس "ناقة لندن" يخته الأول؛ إذ كان يملك يخوتاً أصغر منه في السابق، انطلاقاً من عشقه للبحر، رغم أن إبحاره يقتصر جغرافيًا على البحر المتوسط، بين الساحل الفرنسي الجنوبي وساحلي إسبانيا والمغرب.
لكن، ثمة مزيد من البطولات المفتوحة لاستكشاف أوديسته التي بدأها منذ أصبح أصغر محرر سعودي في صحيفة "اليوم" في عام 1980. حتى وهو في عقده السادس، أضاف العمير خدمة الفيديو والوسائط المتعددة إلى موقع "إيلاف" في عام 2012.
وفي عام 2019، دخل في مفاوضات مع كونسورتيوم أوروبي لإطلاق "إيلاف" بالإنكليزية، تستضيف اقلام ساسة ومفكرين بريطانيين، ثم التوسع بعدها لتصدر بلغتين أوروبيتين آخريين. لسوء الحظ، تفشت الجائحة في أوروبا، وتم تجميد المشروع. لكن المزيد سيأتي من هذا الريادي، لا شك.

*عادل درويش كاتب مصري - بريطاني مخضرم، وصحفي مقيم في مجلس العموم

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "المجتمع البرلماني" البريطاني. لتصفح المقال الأصل هنا.

OTHMAN AL OMEIR
A PIONEERING VOYAGE


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار