ظهرت الدلائل الأولى لوقوع عملية استغرقت أشهرا في الإعداد عندما هز هجوم وسط مدينة كابول في الساعات الأولى من فجر الأحد، حيث سمعنا دوي انفجارين في الشارع المجاور الذي نقطنه.
ودارت التخمينات حول من أو ما الذي ضرب هذا "البيت الفارغ" في حي شيربور.
واشتهر هذا الحي خلال العقدين الماضيين بفيلاته الراقية متعددة الطوابق، والتي كان يسخر منها سكان كابول باعتبارها معقلا لأمراء الحرب والمسؤولين الفاسدين، ورمزا مبهرجا لغنائم حرب بشعة.
ويطلق عليه سكان كابول اسم "شوربور" ويعني مدينة اللصوص. وقد استولت حركة طالبان على بعض الفيلات الفارغة، القريبة من بعض السفارات الغربية ذات الأسوار العالية، والتي أغلقت أبوابها أيضا عندما سيطرت طالبان على السلطة.
وفي كل يوم كانت تظهر قطع جديدة من هذه الأحجية: بالحديث عن ضربة محتملة على هدف لتنظيم الدولة الإسلامية واستخدام مسيرة أمريكية أثار المزيد الأسئلة ومشاركة القوات الأمريكية على الأرض.
وانتهى اللغز في ساعات مبكرة من صباح الثلاثاء.
ومع استيقاظ كابول على الأخبار التي أفادت بأن الولايات المتحدة قتلت زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في هجوم بطائرة مسيرة، حاولنا الاقتراب من المنطقة الواقعة على طريق رئيسي يقود إلى شارع مرورا بمتجر "سبينيز" الفخم وبنك "غضنفر" الأفغاني.
فاعترض طريقنا حارس أمن من طالبان غاضبا وحذرنا من الاقتراب.
لكننا تمكنا من الوصول إلى الفيلا من الخلف مشيا على الأقدام عبر طريق جانبي.
فأكد لنا الحراس والعمال في المباني المجاورة موقع البيت الذي تعرض للقصف يوم الأحد، وكانت الشرفات التي تبرز من الطابق العلوي قد غطيت بغطاء بلاستيكي أخضر.
هل رأى أحد أي نشاط أو أي قاطنين في هذا المكان؟
جاء الجواب المتكرر بأن "البيت كان فارغا". فهل كان هذا جوابا تم التدرب عليه مسبقا، أو صدى لرواية طالبان الرسمية؟
وأبلغنا أصحاب المباني المجاورة إنهم أُمروا، قبل ذلك بساعات، بإغلاق أسطح منازلهم أمام الجميع، حتى العاملين لديهم.
أيمن الظواهري: من جراح عيون إلى زعيم تنظيم القاعدة
مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة أمريكية بطائرة مسيرة
تنظيم القاعدة "قد يمثل تهديدا" للولايات المتحدة في غضون عام
وبينما كانت أنباء مقتل الظواهري تسري كالتيار الكهربائي في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن مسرح هذه اللحظة المتفجرة بدا هادئا على نحو غريب.
كانت حركة السير تنساب في الشوارع القريبة التي تحيط بها الأشجار من الجانبين في هذا اليوم الصيفي الدافئ. لكن مع مرور الوقت، وصل المزيد من الصحفيين وتوقف المزيد من المارة وظهر المزيد من حراس أمن طالبان.
وحذر أحد عناصر طالبان المسلحين زميلا لي بينما كنا نقف على الشارع الرئيس قائلا: "إذا لم تصغ إلي، فسأتحدث إليك من خلال بندقيتي".
اقتربت منا مجموعة من الصحفيين الأفغان والأجانب، وكانت إحدى الصحافيات تبكي بعد مشادة غاضبة على الشارع الرئيسي قادت إلى المكان أمام المنزل.
كانت معداتها قد أخذت منها بالقوة، ثم أعيدت إليها لاحقا.
الآن ما كان مجرد همسات بات صوتا أعلى.
فقد تداول الناس حديثا بأن العرب شوهدوا، في الأشهر الأخيرة، يتنقلون عبر هذه الشوارع. ولم يجرؤ أحد بالحديث عن ذلك.
وقال لنا صحفي محلي يعيش بالجوار: "لقد رأينا سكانا من غير الأفغان في هذا الحي خلال الشهرين الماضيين. وهم لا يتحدثون اللغة المحلية. ولا نعرف من يكونون".
والآن هناك الكثير من الأسئلة ونظريات المؤامرة وسلسلة من العواقب المحتملة.
وكان خبر موت الظواهري، الذي يعتبر على رأس قائمة المطلوبين أمريكيا، قد أشيع مرات عديدة من قبل من بينها العام الماضي عندما قيل إنه قضى بالمرض.
وقيل إنه إذا كان حيا، فإنه يعيش بعزلة في المناطق الوعرة الممتدة على طول الحدود الأفغانية- الباكستانية.
لكن الآن، اتضح أنه كان ضيفا لدى قيادة طالبان، ويعيش في تلك الفيلا تماما في وسط كابول والتي يقال بأنها تعود إلى سراج الدين حقاني، القائم بأعمال وزير الداخلية الأفغاني، والذي يخضع لعقوبات أمريكية تتعلق بالإرهاب.
هنالك تكرار لحادثة مقتل شقيق الظواهري في السلاح، أسامة بن لادن، على يد الولايات المتحدة في 2011، والذي كان مختبأ على مرأى من الجميع في فيلا في مدينة أبوت أباد الباكستانية، مقابل أكاديمية عسكرية باكستانية.
وهناك تكرار أيضا لرد طالبان على الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بأن بن لادن موجود فقط كضيف شرف تطبيقا لتقليد باشتوني أفغاني.
وكان المقصود من الاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في 2020، والموقع بعد عامين تقريبا من المفاوضات الصعبة في قطر، أن يحل هذه المشكلة الحساسة.
وخلال المفاوضات تلك، أبلغنا مرارا بأن التزام طالبان بعدم السماح لأفغانستان بان تكون ملاذا آمنا من جديد سيتم التعبير عنه بوضوح تام.
لكن الاتفاق الذي برز، بملاحق سرية، لم يكن واضحا تماما.
فقد تعهدت طالبان بمنع أي هجمات على الأرض الأمريكية انطلاقا من أراضيها.
لكنهم لم يوافقوا صراحة أبدا على قطع علاقاتهم برفاقهم الجهاديين ومن بينهم الظواهري، الذي، وعلى غرار قادة القاعدة الآخرين، أقسم بالولاء لزعيم طالبان، أو الأمير، هيبة الله أخوندزادة.
ومنذ أن دخلت طالبان مدينة كابول في 15 أغسطس/ آب من العام الماضي، ظهرت تقارير متكررة وموثوقة حول عبور مقاتلي القاعدة الحدود الباكستانية إلى أفغانستان ولكن كانت هناك أيضا تعهدات متكررة من جانب طالبان بمحاربة الإرهاب.
وتتهم حركة طالبان أيضا الولايات المتحدة بانتهاك الاتفاق الموقع بينهما في هجومها على حي سكني في كابول. وحذر بيان صادر عن المتحدث باسم الحركة من أن "تكرار مثل هذه الأفعال سيلحق الضرر بالفرص القائمة".
وتأتي هذه اللحظة الفاصلة في وقت لا تزال فيه طالبان، بعد عام من سيطرتها على السلطة، تصارع من أجل إرساء الشرعية والاعتراف الدوليين. وهم قد لا يرغبون بتعريض أي تقدم هش للخطر.
وتبدو الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى عالقة في مأزق: كيف يمكنهم مساعدة الشعب الأفغاني، الغارق في أزمة انسانية متفاقمة، في وقت لا يزال فيه العديد من قادة طالبان خاضعين لعقوبات أمريكية تتعلق بالإرهاب؟
وتشمل المصالح الأمريكية في المنطقة أيضا الحرب على الجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يعد عدوا مشتركا لطالبان والولايات المتحدة.
وتسير حركة طالبان منذ سيطرتها على السلطة في كابول على سلك سياسي معلق محفوف بالمخاطر.
والسؤال هو كيف يحافظون على مكانتهم في صفوف الحركات الجهادية العالمية، بما في ذلك علاقاتهم طويلة الأمد مع القاعدة؟
وتعج وسائل التواصل الاجتماعي الآن باتهامات بارتكاب الولايات المتحدة جريمة حرب أخرى وبعملية قتل مزعومة خارج نطاق القضاء.
فكيف سيكملون عملية تحولهم من جماعة متمردة إلى حكومة محترمة دوليا مع الحفاظ على أوراق اعتمادهم كجماعة محافظة متشددة؟
إن ذلك السلك المعلق يهتز الآن. والعالم يراقب.