بات اسم إقليم كالينينعراد الروسي يتردد كثيرا في الآونة الأخيرة، وذلك بعد إعلان ليتوانيا حظر نقل بعض البضائع بالسكك الحديدية إلى الإقليم ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة.
وقد حذرت روسيا ليتوانيا من تبعات خطيرة لهذه الخطوة، لكن ليتوانيا أكدت أنها تأتي في سياق التزامها بعقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.
فما أهمية إقليم كالينينغراد بالنسبة لروسيا التي لا تربطه بها أي حدود برية؟
يقع جيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق بين بولندا في الجنوب وليتوانيا في الشمال والشرق، وتقدر مساحته بنحو 223 كيلومتر مربع.
بعد ضمه من ألمانيا في عام 1945، أصبح الجيب منطقة عسكرية مغلقة طوال الحقبة السوفيتية.
وفي عام 2013، نشرت روسيا صواريخ إسكندر الباليستية قصيرة المدى، القادرة على حمل رؤوس حربية نووية في الإقليم، وقالت حينها إن خطوتها جاءت ردا على خطط الولايات المتحدة لنشر نظام دفاع صاروخي باليستي في أوروبا.
كانت كالينينغراد تعرف بمدينة كونيغسبرغ، وقد أسسها في القرن الثالث عشر الفرسان التيوتونيون (الذين لعبوا دورا رئيسيا في الحملات الصليبية التي استهدفت مناطق في شرق أوروبا في أواخر العصور الوسطى).
وأصبحت كالينينغراد بعدها واحدة من مدن الرابطة الهانزية (رابطة ضمت العديد من المدن التجارية في منطقة بحر الشمال (شمال ألمانيا) والبلطيق، استمرت من القرن الثاني عشر حتى القرن السابع عشر)، وكانت ذات يوم عاصمة بروسيا.
وقضى الفيلسوف الشهير إيمانويل كانت كل حياته في المدينة وتوفي هناك عام 1804.
كانت المنطقة جزءا من ألمانيا حتى ضمها الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما شهدت قتالا مريرا وعانت من دمار واسع النطاق. وقد قتل عدد كبير من سكانها خلال الحرب كما طُرد منها السكان الألمان أو فروا بعد انتهاء الحرب.
خلال الحقبة السوفيتية، تم فصل منطقة كالينينغراد، التي كانت جزءا إداريا من الاتحاد الروسي، عن بقية روسيا، والتي تقع على بعد أكثر من 300 كيلومتر إلى الشرق، من قبل جمهوريات الاتحاد السوفيتي آنذاك، ليتوانيا ولاتفيا وبيلاروسيا.
منذ انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي، بات من المستحيل السفر بين إقليم كالينينغراد وبقية روسيا برا من دون عبور أراضي دولة واحدة على الأقل في الاتحاد الأوروبي. وكانت هناك مناوشات، خاصة مع ليتوانيا، بشأن لوائح العبور.
كانت كالينينغراد واحدة من أكثر أجزاء الاتحاد السوفيتي عسكرة وانغلاقا، وكان الجيش هو الدعامة الاقتصادية الرئيسية للمنطقة خلال الحقبة السوفيتية. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي، تم القضاء على هذا الوجود العسكري، وبطبيعة الحال، على الفوائد الاقتصادية التي قدمها.
لا تزال كالينينغراد ذات أهمية استراتيجية كبيرة لموسكو، إذ تضم أسطول البلطيق الروسي في ميناء بالتييسك، وهو الميناء الأوروبي الوحيد الخالي من الجليد في البلاد.
تطور متباين
خلال الحقبة السوفيتية، كانت الزراعة ركيزة رئيسية في اقتصاد البلاد، وقد فقد سوق منتجات كالينينغراد أهميته إلى حد كبير مع انهيار الاتحاد السوفيتي، مما تسبب في انهيار الاقتصاد في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
ارتفعت معدلات البطالة وانتشر الفقر بشكل كبير، لا سيما في المناطق الريفية. وأصبحت الجريمة المنظمة والمخدرات مشاكل متنامية في الإقليم.
وفي محاولة لمعالجة مشاكل المنطقة، منحتها السلطات الروسية في عام 1996 وضعا اقتصاديا خاصا ومزايا ضريبية تهدف إلى جذب المستثمرين. وبالفعل استفاد اقتصاد المنطقة بشكل كبير.
وقد شهدت كالينينغراد طفرة غير مسبوقة، وفي عام 2007 تم افتتاح مبنى مطار جديد بقيمة 45 مليون دولار.
بدأت المنطقة تشهد ازديادا في النشاط التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى زيادة النمو الاقتصادي وزيادة الإنتاج الصناعي.
ولكن على الرغم من ذلك، فقد أثرت الأزمة المالية العالمية في عامي 2008-2009 على المنطقة بشكل كبير، وبحلول بداية عام 2010، قفزت معدلات البطالة إلى أكثر من 10 في المئة، وهو معدل أعلى بكثير من متوسط معدل البطالة الروسي.