إيلاف من دبي: أكد السفير الأميركي في كابل، روس ويلسون، أن "أي نشاط عسكري مقبل في أفغانستان سيكون بالتنسيق مع الحكومة الأفغانية". وقال في تصريحات لـ"العربية" الثلاثاء إن "القوات الأميركية الباقية بعد الانسحاب قادرة على حماية نفسها"، مضيفاً: "جئنا إلى أفغانستان وقتلنا بن لادن".
وأوضح أن أفغانستان لم تعد ملاذاً آمناً للإرهابيين، قائلاً: "اتفقنا مع طالبان على عدم السماح بحرية حركة الإرهابيين وعدم السماح بتواجد داعش"، لافتًا إلى أن "القاعدة ليس لديها موطئ قدم بمناطق سيطرة الجيش الأفغاني.. ونحن لا نريد حروباً بالوكالة في أفغانستان. نريد من الدول المجاورة لأفغانستان المساهمة باستقرارها".
كما شدد على أن "المسؤولية تقع على عاتق الأفغان بحماية بلادهم".
طالبان يتقدمون
يذكر أن الجيش الأميركي كان قد أعلن الأسبوع الماضي الانتهاء من سحب 90% من القوات والمعدات الأميركية من أفغانستان. وقال الرئيس جو بايدن إن المهمة العسكرية الأميركية في أفغانستان ستنتهي في 31 أغسطس. وقد رسمت أخبار انتشار تنظيم طالبان في مناطق جديدة من أفغانستان صورة المنتصرين لا محالة، كما أن القول إنهم يسيطرون على 85 في المئة من أراضي الدولة، أعطى الانطباع أنهم حسموا معركتهم ضد الحكومة المركزية، وساهمت تصريحات متشائمة أطلقها الجنرال ميللر في ذلك، خصوصاً أنه قال "لو نظرت إلى الوضع الأمني فإنه ليس جيداً"، ثم أضاف: "طالبان يتقدمون".
الآن غادر الجنرال الأميركي كابول وسلّم قيادة العمليات للقيادة المركزية وصورة ما يحدث في أفغانستان، أبعد من تكون محسومة لتنظيم طالبان، بحسب موقع "العربية.نت".
يشير التحليل العسكري إلى أن ترك الحكومة الأفغانية لمساحات في الأشهر الأخيرة هدفه تركيز جهودها على عواصم الولايات والمدن الرئيسية وترك المناطق الفارغة والريفية المنخفضة في عدد السكان لتنظيم طالبان، وبالتالي يكون تنظيم طالبان مسيطراً على عدد أقل من السكان ولا يملك عواصم الولايات وهي مركز الحكم.
وبدأ المسؤولون الأميركيون يتحدثون الآن أكثر عن قدرات الحكومة الأفغانية، حيث لديها 300 ألف جندي مدرّب على يد الأميركيين كما تملك سلاح جو، وفّره الأميركيون للحكومة الأفغانية، فيما لا تملك حركة طالبان هذه القدرات التقنية الحاسمة.
وفي تصريح لـ "العربية.نت"، أكد الميجور روبرت لودويك المتحدث باسم البنتاغون أن "وزارة الدفاع الأميركية صرفت 825 مليار دولار على عملياتها العسكرية في أفغانستان منذ 11 سبتمبر العام 2001 "، وأضاف "أن الوزارة تخصص هذا العام 4 مليارات دولار للقوات الأفغانية".
استثمار أميركي
تشير هذه الأرقام إلى مدى استثمار الأميركيين في أفغانستان وتعلّقهم بمتابعة دعم الحكومة الأفغانية بالإضافة إلى شعورهم بأنهم خسروا آلاف الجنود وأصيب لهم آلاف آخرون من الجرحى، وهم في حين يتركون أفغانستان يريدون من الحكومة الأفغانية أن تكون في المقدمة أما هم فسيقدّمون أقصى ما يمكن من دعم "عبر الأفق".
أما أهم عنصر في خطة الدعم الأميركية هو أن واشنطن "تدعم الحكومة الشرعية ومؤسساتها وستحافظ على هذا الموقف بعد إنهاء الانسحاب" وبحسب مصادر الحكومة الأميركية التي تحدّثت إلى العربية.نت، لو طلبت الحكومة في كابول دعماً جويّاً في مواجهة خطر محدق، فإن الحكومة الأميركية ستنظر إلى هذا الطلب بإيجابية، ولو أقرّت القيادة الأميركية هذا الطلب فإن القوات الأميركية ستقوم بتوفير الدعم على شكل تدخل جوّي على سبيل المثال.
ويصبح هذا الجواب جوهرياً لأنه يؤكد أن الأميركيين سيعملون على مساعدة القوات الحكومية الأفغانية في معركة ضد تنظيم طالبان، خصوصاً لو كان التنظيم على أبواب العاصمة ويهدد بسقوط ضحايا وبانهيار الحكومة الأفغانية.
إلى ذلك، ستبقى الحكومة الأميركية منخرطة في تفاصيل ما يحدث على الأرض في أفغانستان، فمصادر الحكومة الأميركية والاستخبارات تشير إلى أن تنظيم طالبان لم يفك العلاقة مع تنظيم القاعدة، وربما يعود لتقديم مساحة عمل للتنظيم الإرهابي وهذا ما لا تستطيع واشنطن التساهل فيه.
قدرات كبيرة
قال المتحدث باسم البنتاغون لـ العربية.نت "إننا نعيد نشر قدراتنا ولدينا الآن قدرات عسكرية واستخباراتية كبيرة في المنطقة وهي قادرة على كشف ومواجهة أي تهديد إرهابي جديد لأراضي الوطن" وأضاف الميجور لودويك "إننا نقوم بهذا الامر الآن".
ومع انتهاء مهمة القوات الأميركية من أفغانستان ستكون الحكومة الأفغانية والعناصر الذين تدرّبوا مع الأميركيين بالإضافة إلى من يعارضون طالبان لأسباب عقائدية أو عرقية حليفاً جيداً للأميركيين على الأراضي الأفغانية.
وتطرح المسافة بين أفغانستان والقوات الأميركية المنتشرة في المحيط والقواعد في الدول العربية بعض التحديات ومنها "الوقت" وسيكون فارق المسافة كبيراً بين انطلاق طائرة أميركية من قاعدة باغرام أو قندهار كما حدث في السنوات العشرين الماضية وانطلاقها من قواعد على مسافة مئات وآلاف الأميال.
كما يسعى الأميركيون إلى تذليل هذه العقبات ومنها التأكد من انهم سيتمكنون من التحليق في اجواء باكستان كما يحاولون اقناع دول في وسط آسيا مثل طاجيكستان واوزبكستان بالسماح للقوات الاميركية باستعمال قواعدهم العسكرية.
تشاؤم وقلق
وقد أكد مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية لـ العربية.نت إن الولايات المتحدة لديها الآن اتفاقاً مع باكستان يسمح لطائراتها الحربية بالتحليق في أجواء باكستان وهي الطريق الأقصر إلى أفغانستان إلى أن يتمّ البتّ في الاتفاقات مع طاجيكستان وغرغيزستان.
وتشير تقديرات وكالات الأمن الأميركية إلى "التشاؤم" و"القلق" و"عدم الاطمئنان" من الوضع العام في أفغانستان، ويعود السبب إلى أن الأميركيين يشددون على الحلّ السياسي وعلى أن المشاركة في السلطة أمر حتمي للوصول إلى الهدوء والاستقرار في أفغانستان، لكن ما يرونه هو تصاعد للتوتر وللمواجهات الأمنية، ويعتبرون أن نسبة العنف لا تسمح بالوصول إلى الحلّ السياسي على الإطلاق.
لذلك فإن سيناريوهات ما سيحدث في المستقبل كثيرة، لكن غياب الحلّ السياسي وتمسّك طالبان بمبادئها وبعلاقتها بالتنظيمات الإرهابية سيعنيان أن أفغانستان مقبلة على الفوضى أو الحرب الأهلية وسيكون الأميركيون إلى جانب الحكومة الأفغانية.