ينتظر أن تكون دورة هذه السنة من "مهرجان كناوة وموسيقى العالم" دورة الاحتفال بامتياز: احتفال بوصول المهرجان إلى محطته العشرين؛ وبالموسيقى التي تشكل جوهر فلسفته الأصلية.
إيلاف من الرباط: قدم المنظمون، أمس، في الدار البيضاء، خلال مؤتمر صحافي، حضرها كل من نائلة التازي منتجة المهرجان، وإدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكريم زياد وعبد السلام عليكان المديران الفنيان للمهرجان، برنامج الدورة، التي تنظم ما بين 27 يونيو وأول يوليو المقبلين.
نائلة التازي، منتجة "مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة" |
كما بسطوا عددًا من المعطيات والأرقام، بخصوص دورة هذه السنة، التي ستعرف برمجة 30 حفلًا موسيقيًا، موزعة على خمس منصات، بمشاركة نحو 300 موسيقيًا من قارات أفريقيا وأوروبا وأميركا وآسيا؛ فيما تناهز الميزانية المخصصة للتنظيم 15 مليون درهم (الدولار يساوي 10 دراهم)، ثلاثة أرباعها متأتية من الخواص.
برمجة غير مسبوقة
يقول المنظمون إنهم خصصوا لاحتفالية الذكرى الـ 20 للمهرجان، "برمجة غير مسبوقة"، حيث ستكون الأسماء الكبرى حاضرة، لتقديم حفلات يتجاور فيها البلوز الأسطوري لِلوكي بيتيرسون مع الجاز اللطيف لِبيل لورنس، والإيقاعات الساخنة للبرازيلي كارلينيوس براون مع الصوت المفعم بالحكمة لإسماعيل لو.
كما سيعود الفنانون، أصدقاء المهرجان، لتنشيط منصات الصويرة بإبداعات متجددة، على غرار الإقامة التي أنشأها المعلم عبد السلام عليكان وراي ليما، الذين يتواصل تعاونهما منذ 20 سنة، أو الحفل الذي أبدعه لوي إرليش وفرقته "باند أوف كناوة".
من فناني "كناوة" المشاركين في الدورة الـ20 من "مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة" |
وحيث إن المهرجان يتميز بـ"الرغبة الدائمة في التجديد"، فقد أحدثت، ضمن برنامج دورة هذه السنة، إقامات عدة ستقدم عروضًا فنية، كالجمع بين الموسيقى الصوفية الهندية الباكستانية والتكناويت، الذي اقترحه تيتي روبين، أو تقديم عرض عن الرحلة من غينيا إلى سيدي علي بن حمدوش، من إبداع لمعلم حسن بوسو ورفاقه.
ويؤكد المنظمون أن "الصويرة تقدم إلى من يبحث عن الروحانية والموسيقى الحقيقية والعلامات الدائمة، إمكانية اللقاء والاغتناء عبر الحوار"، مع إشارتهم إلى أن المهرجان يعمل، منذ تأسيسه، على "الحفاظ على غنى التراث الموسيقي المغربي".
قصة إصرار وصمود
وكتبت نائلة التازي تحت عنوان "قصة إيمان وإصرار وصمود"، تقديمًا لدورة هذه السنة، مستحضرة بدايات المهرجان: "قبل 20 سنة، شكل إحداث هذا المهرجان رهانًا على قدر كبير من الطموح، وكان مجازفة جريئة، في مناخ مختلف تمامًا عن الوضع الراهن، حيث كان المغرب لا يزال مثقلًا بأعباء الماضي، وتقاليد عتيقة تخص المهرجانات. قبل 20 سنة، دخل الأنترنت إلى المغرب، محدثًا انفتاحًا هائلًا على العالم وعلى الجالية المغربية حيثما وجدت.
منذ البدء، كان هذا المهرجان مهرجانًا رائدًا. كان رائدًا في خلقه لفضاء مخصص للثقافة بالمجان ومفتوح في وجه الجميع؛ كان رائدًا في إنشاء موقع للمهرجان على الأنترنت، يبعث من خلاله مغاربة العالم رسائل تشجيع وتضامن قوية. أدركنا آنذاك بسرعة أن التظاهرة التي أحدثناها تتعدى طموحنا. كنا نناضل من أجل خلق دينامية جديدة وإيجابية لإسقاط الحواجز وخلق انفتاح وتلاقح اجتماعي.
آنذاك، اعتبرنا عدد كبير من أصحاب القرار مجرد شباب حالمين وديعين. قبل 20 سنة، ساهمنا من خلال إعادة الاعتبار لفن كناوة في إبراز هويتنا الأفريقية. آنذاك، لم يكن أولئك المسؤولون ينظرون إلينا بعطف دائم. وإن كانت أفريقيا التي نحن فخورون اليوم بالانتماء إليها في بعديها السياسي والاقتصادي، تتجسد أيضًا في بعدها الثقافي.
مع حلول عهد الملك محمد السادس، تغير كل شيء. حل الربيع الثقافي، والصحافة المستقلة، والحركة الثقافية المجددة المغربية، وحراك أحدث تحولات عميقة على مجتمعنا. كما ارتفعت أصوات بعض الإسلاميين، وإن كانت معتدلة، اعتبرت هذا المهرجان مجالًا للفجور وخطرًا على المجتمع.
آنذاك جاء الرد عبر الشباب، ومن خلال البهجة العارمة التي غمرت جماهير المهرجان الغفيرة. كما تدخلت وسائل الإعلام، سواء المغربية أو الدولية، التي رأت في هذا المشروع الثقافي بابًا مفتوحًا على مغرب متعدد، حداثي، فخور بهوياته وملتزم بقيمه. ثم جاء دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي اعتبر هذا المهرجان فضاء يدافع عن قيم الحرية والمساواة والتنوع، ويعطي الكلمة للأقليات. وإننا لفخورون بهذه الشراكة مع هذه الهيئة الدستورية العليا. نعم، لهذا المهرجان قصة تستحق أن تروى. إنها، فضلًا عن الترفيه، قصة إيمان ومقاومة".
منتدى المهرجان
للسنة السادسة على التوالي، ينظم منتدى حقوق الإنسان، بتعاون وتنسيق بين المهرجان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث ستخصص دورة هذه السنة لـ"الإبداع والسياسات الثقافية في العصر الرقمي".
ويرى المنظمون أن فقرة المنتدى مكنت، إلى جانب الموسيقى والفنون، من "تعزيز المهرجان بفضاء للنقاش بين مختلف المتدخلين، مغاربة وأجانب، حول الإشكالات الراهنة لمجتمعاتنا".
هكذا، فبعد دورتي 2012 و2013، اللتين تطرقتا، على التوالي، إلى موضوعَيْ الشباب والثقافة، أصبحت أفريقيا، منذ أربع سنوات، الموضوع الرئيس للمنتدى، حيث خُصص منتدى دورة 2014 للتاريخ، ثم تلاه منتدى حول النساء في 2015، ومنتدى حول الدياسبورا الأفريقية في 2016؛ فيما يتطرق منتدى المهرجان في دورة هذه السنة لإشكاليات على قدر كبير من الراهنية، وذلك من خلال انكبابه على فهم الروابط بين المجال الرقمي والثقافة، خاصة بعدما "بات المجال الرقمي يغزو حياتنا كل يوم أكثر فأكثر".
وستتفرع موضوعات المنتدى إلى أربعة محاور، بمشاركة 20 متداخلًا، تشمل "الفنون الحية، النشر، السينما، الموسيقى... ماذا يتغير مع المجال الرقمي؟"، و"المجال الرقمي في خدمة التنوع"، و"نحو بروز تخصصات فنية جديدة"، و"أي سياسات عمومية؟ وأي تدابير تقع على عاتق مجموع الفاعلين؟".
روح التبادل
فضلًا عن برنامجه الموسيقي وفقرات المنتدى، يتضمن برنامج المهرجان، على هامش دورته العشرين، فقرات متعددة، تؤكد "روح التبادل" التي تميز التظاهرة، بينها "شجرة الكلمات"، التي تشكل "لحظة هدوء" خصصت، منذ 2006، "للحوار والتبادل".
ملصق الدورة الـ20 من "مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة" |