: آخر تحديث
لا صخب... بل مسؤولية على منصة "منتدى النساء المبدعات"

خلف الأضواء: نساء في الإعلام يكسرن الحواجز ويصنعن إرثًا

3
3
3

إيلاف من لندن: في صميم منتدى "بوابة نحو مستقبل مستدام" الذي نظمته منصة "النساء المبدعات" في لندن، كانت هناك جلسة لم تكتفِ بأن تُصفّق لها الأكف، بل تطلّبت من الحضور ما هو أبعد: لحظة تأمل، جرعة من العزم، وربما تمرينًا على إعادة تخيّل الذات والمهنة معًا.

الجلسة التي حملت عنوانًا واضحًا ومُراوغًا في آن: "خلف الأضواء: نساء في الإعلام يكسرن الحواجز ويصنعن إرثًا"، عُقدت يوم الجمعة في 9 أيار (مايو)، واستضافت مجموعة من الأصوات النسائية البارزة في مجال الإعلام، نساء يحملن سنوات من الخبرة، إلى جانب صحافية ناشئة تجمع بين الحضور اللافت والشغف المهني. 
أدارت الجلسة ربيكا ريوفريو — مخرجة، رائدة أعمال، ورئيسة تحرير Parliamentary Society.
ربيكا ريوفريو — مخرجة، رائدة أعمال، ورئيسة تحرير

افتتحت النقاش بهدوئها المعهود، قائلة: "الإعلام لا يعكس الواقع فحسب — بل يصوغه. والسؤال هو: من يحدّد الإطار الذي تُبنى عليه الرواية؟".


صناعة إرث عبر الصحافة الشجاعة
الكلمة الأولى كانت من نصيب ليز بيركنز، محررة الأخبار الليلية في صحيفة The Sunday Telegraph. صحافية لا تحتاج مسيرتها إلى مقدمات — فقد كانت سببًا في تحريك نقاشات وطنية وإحداث تغييرات تشريعية. تعرف أن الضوء الحقيقي لا يُسلّط، بل يُنتزع. تحدثت عن تقاريرها التي كشفت حالات ظلم ممنهج، من فشل المحاكم الأسرية إلى التمييز بين الجنسين في الرياضة.

سردت بيركنز حالتين: الأولى عن تمييز في تغذية فرق الركبي، حيث يُعطى الفتيان طعامًا لبناء القوة بينما تُحرم الفتيات من ذلك، والثانية عن امرأة تعرّضت لاعتداء جنسي في "استاد برينسيباليتي" (Principality Stadium) في كارديف، وكادت قضيتها تُمحى من النظام القضائي.

قالت بيركنز: "عملي يتمحور حول إعطاء صوت لمن لا يُرى. لكن قول الحقيقة في الصحافة له ثمن — وغالبًا ما تكون النساء هنّ من يدفعنه". بعد كلماتها، خيّم صمت ثقيل على القاعة، تعبيرًا عن الإدراك الجماعي لقوة الصحافة النسوية وهشاشتها في آن.

نيشما باتيل روب — مؤسسة
من الخوارزميات إلى الذكاء الأصيل
بعد الحديث عن التحديات المؤسسية في الإعلام التقليدي، تحوّل النقاش إلى المجال الرقمي، مع نيشما باتيل روب — مؤسسة "Glittersphere" والمديرة السابقة للعلامة التجارية والسمعة في "Google UK". قدّمت ما أسمته "الذكاء الأصيل" (Authentic Intelligence)، ودعت النساء إلى إعادة تعريف علاقتهن بالتكنولوجيا بدلًا من الخوف منها.

قالت بنبرة لا تحتمل المواربة: "في عالم تُفلتر فيه السير الذاتية عبر الخوارزميات، لم يعد الترويج الذاتي غرورًا — بل ضرورة. الآلات لا تقرأ القناعة أو الشخصية. البشر فقط من يفعلون. وهنا تكمن قوتنا".

واستشهدت بإحصائية تفيد بأن 2 بالمئة فقط من تمويل رأس المال الاستثماري يذهب إلى مؤسِّسات نساء، مؤكدة أن "الظهور لم يعد خيارًا، بل أداة لتفكيك الأنظمة — ليس من الداخل فحسب، بل من مركز المسرح".

وشددت على أنَّ القيادة لا تتعلق بالشعبية بل بالأثر، مضيفة: "العالم لا يفتقر إلى نساء موهوبات، بل إلى نساء مستعدات للظهور. والسرد ليس ترفًا. إنه استراتيجية".

 أوليفيا دو كورسي، محررة الجمال ومستشارة استراتيجيات التواصل الاجتماعي في
الجمال كفعل سياسي
استُكملت فكرة "الظهور" من زاوية مختلفة عبر مداخلة أوليفيا دو كورسي، محررة الجمال ومستشارة استراتيجيات التواصل الاجتماعي في Harrods Magazine. تحدثت عن الجمال كجزء من التجربة اليومية، مشيرة إلى أنه غالبًا ما يُختزل إلى سطحيّات رغم حضوره الدائم في تفاصيل الحياة، من تمشيط الشعر إلى استخدام مستحضرات العناية.

قالت: "لطالما اعتُبر الجمال أمرًا سطحياً، ومع ذلك هو شيء نتعامل معه جميعًا".

دعت دو كورسي إلى مراجعة اللغة التحريرية في صحافة الجمال، واستبدال مفردات مثل "مضاد للشيخوخة"، و"مكافحة العيوب"، و"خالٍ من الشوائب"، بمفردات تُعزز الشمول والتمثيل الإنساني. وأكدت: "اللغة تصنع الإدراك. عندما نعيد صياغة المفردات، نُعيد تشكيل النظرة العامة. وفي صحافة الجمال، يعني ذلك التأثير في الثقافة نفسها".

وأضافت أن مستقبل صحافة الرفاهية لا يكمن في إعادة تدوير السرديات القديمة، بل في تسليط الضوء على علامات ناشئة، مستدامة، لا تمتلك رفاهية الحملات الإعلانية الباذخة. واختتمت بقولها: "الصوت التحريري لا يحتاج إلى أن يكون أنعم. بل يحتاج إلى أن يكون أذكى. وأدق".

سمر عبد الملك، نائبة رئيس التحرير في
تحرير التراث... لا دفنه
ثم تحدّثت سمر عبد الملك، نائبة رئيس التحرير في "إيلاف"، ورئيسة التحرير السابقة للنسخة العربية من مجلة How To Spend It الصادرة عن إيلاف بالتعاون مع Financial Times.

جاءت كلمتها بمثابة بيان شخصي؛ بصوت هادئ يعكس امرأة اعتادت اختيار كلماتها بدقة، قالت: "نحن، كنساء عربيات في مواقع القيادة التحريرية، لم نعد نكتفي بنقل القصة — بل نرسم الإطار الذي تُعرض من خلاله القصص".

تحدثت عن تجربتها المهنية بين لندن ومنطقة الخليج، وعن التوازن الدقيق بين احترام التقاليد ومساءلة ما يُسكَت عنه داخلها. وأضافت: "نحن لا نُسكت التراث. نحن نحرّره".

وأكدت أن الإرث لا يُورّث، بل يُبنى — عبر اختيارات دقيقة: "ما نُبرزه، ما نُخفيه، ما نقوله، وما نقرر تركه بلا تعليق". واختتمت: "لسنا بحاجة إلى أصوات أعلى. نحن بحاجة إلى نزاهة أعمق".

إفجينيا سيوكوس، محررة الفنون والكاتبة في صحيفة The Telegraph
إفجينيا سيوكوس (يسار)، محررة الفنون والكاتبة في صحيفة The Telegraph

الفن، الزوال، وعبادة الشاشة
اختُتمت الجلسة بمداخلة الصحافية التي وُصفت في مستهل النقاش بأنها تجمع بين الحضور اللافت والشغف المهني: إفجينيا سيوكوس، محررة الفنون والكاتبة في صحيفة The Telegraph. قدّمت رؤية فلسفية تساءلت من خلالها عمّا إذا كانت الأجيال الحالية تفهم الفن حقًا — أم تكتفي بأداء القرب منه. قالت: "هل نحب الفن أكثر — أم نفهمه أقل؟".

عبّرت سيوكوس عن قلقها من تلاشي المعنى الثقافي، حيث تُشاهد المعارض عبر شاشات الهواتف، وتُختزل الأعمال الفنية إلى أدلة بصرية على الحضور، لا إلى لحظات تأمل. وأضافت: "علينا أن نُبطئ. أن نقف أمام اللوحة — لا لالتقاط صورة، بل للتماس لحظة من المعنى. أن نسأل: ماذا يثير فينا هذا العمل؟ هناك يبدأ الحب الحقيقي".

وعندما سُئلت كيف يمكن للنساء استخدام الإعلام الرقمي لصياغة إرث ثقافي، أجابت ببساطة مباشرة: "انشري ما يستحق النشر. وكوني فخورة به. ليس من أجل التصفيق، بل من أجل الأثر الطويل".


حين تصبح القصة أمانة
في اللحظات الأخيرة من الجلسة، دعت ريبيكا ريوفريو — وهي معروفة بمناصرتها المستمرة لمبدأ العدالة الثقافية— جميع المتحدثات إلى التفكير في المسؤولية التي تتحملها النساء العاملات في الإعلام، باعتبارهن معمارِيّات الذاكرة العامة.

تقاطعت الإجابات عند مبدأ واحد: أن السرد مسؤولية. فبين دقة الصحافة، وجرأة التعامل مع التكنولوجيا، وصرامة اختيار اللغة، وعمق الوعي بالإرث، أثبتت كل مشاركة أن الإعلام، حين يكون في الأيدي المناسبة، لا يبقى أداة — بل يصبح شعلة.

قالت بيركنز محذّرة: "انشري بوعي. الكلمات تبقى، حتى بعد حذفها". وأضافت دو كورسي: "إذا لم تكوني لتقوليها في ملعب ممتلئ بالجمهور، فلا تقوليها على الإنترنت. لكن قولي شيئًا يستحق أن يُقال".

لم تكن جلسة "خلف الأضواء" مجرد محادثة — بل كانت محاولة جماعية لصياغة الإطار الذي تُبنى عليه الرواية. وإذا كان الإرث ما نتركه خلفنا، فإن هذا المكان كان مساحة قرر فيها الجميع — من دون تردد أو اعتذار — أن يترك بصمته معًا.

* تنشر إيلاف التقرير بالاتفاق مع Parliamentary Society: المصدر

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في لايف ستايل