في الوقت الذي تمر فيه سوريا بمنعطف تاريخي بعد سقوط النظام السابق وتحرر البلاد من عقود من الظلم والاستبداد، لا يزال الإعلام السوري الرسمي غائباً عن المشهد، متقاعساً عن أداء دوره في إيصال صوت الشعب إلى العالم.
لقد كان متوقعاً أن يكون لوزارة الإعلام دور محوري في توثيق هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ سوريا، عبر تعزيز الشفافية وفتح المجال أمام الإعلاميين والصحفيين للمشاركة في إعادة بناء البلاد من خلال تسليط الضوء على قضايا المواطنين وهمومهم. غير أن الواقع الحالي يعكس صورة مختلفة تماماً؛ حيث لا تزال الوزارة تعمل بأساليب تقليدية، متبعة نهج التعتيم الإعلامي بدلاً من مواجهة التحديات بشجاعة ومسؤولية.
منذ إعلان وزارة الإعلام عن قرارها بمقاطعة رموز النظام السابق ومنع وسائل الإعلام المحلية من إجراء مقابلات أو نشر تصريحات لهم، انقسم الرأي العام بين مؤيد ومعارض. ففي حين يرى البعض أن هذه الخطوة ضرورية للحفاظ على وحدة الصف ومنع الترويج لمن تلطخت أيديهم بدماء السوريين، يعتبرها آخرون تقييداً لحرية الإعلام وإعادة إنتاج لسياسات التكميم التي كان ينتهجها النظام البائد.
إذا كانت الوزارة تسعى بالفعل إلى حفظ المصلحة العامة، فالأولى بها أن تضع آلية شفافة تتيح للجمهور معرفة كيف كانت تدار البلاد في ظل القمع الإعلامي والسياسي، بدلاً من تكرار ممارسات الإقصاء التي فقد الشعب السوري ثقته بها منذ سنوات.
إقرأ أيضاً: أبعاد زيارة أمير قطر إلى سوريا
بعد مرور شهرين على سقوط النظام، لا يزال الإعلام الرسمي في حالة سبات عميق، ما يفتح المجال أمام الشائعات والمعلومات المغلوطة التي تنتشر كالنار في الهشيم. فمن غير المقبول أن تظل الدولة بلا منصة إعلامية رسمية تعكس تطلعات الشعب وتواكب تطورات الأحداث بشكل مهني وشفاف.
مواقع التواصل الاجتماعي تضجّ بالتساؤلات حول سبب غياب التلفزيون الرسمي والإعلام الحكومي، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى إعلام قوي يواجه الأزمات ويوثق الحقائق. يتساءل السوريون: كيف يمكن لحكومة تدّعي أنها تمثل إرادة الشعب أن تفشل في بناء إعلام حر ومهني يُعبّر عنهم؟
بعيداً عن المشهد الإعلامي، فإنَّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها المواطن السوري اليوم تزيد من حجم المعاناة. فبدلاً من وضع سياسات اقتصادية تُخفف من الأعباء، نجد الحكومة تصدر قرارات تزيد من الفقر والإذلال، كقطع الرواتب وتأخير دفع المستحقات، ما يدفع بالكثيرين إلى التسوّل أو البحث عن بدائل غير مشروعة للبقاء على قيد الحياة.
إقرأ أيضاً: "التكويع".. وجدلية القمع والتغيير
لقد بات واضحاً أنَّ هناك فجوة كبيرة بين تصريحات المسؤولين وواقع المواطنين. فبينما يَعد رئيس الجمهورية بإصلاحات كبرى، تأتي القرارات الحكومية لتناقض هذه الوعود وتكرّس الفوضى الإدارية، ما يثير الشكوك حول جدية الإصلاحات التي تم التبشير بها.
إنَّ وزارة الإعلام السورية اليوم أمام مسؤولية تاريخية تتطلب منها اتخاذ خطوات جادة لمواكبة التغيرات وإعادة بناء الثقة بين الإعلام والمجتمع. ومن بين الخطوات الضرورية:
إعادة تشغيل الإعلام الرسمي، بحيث أنه لا يمكن ترك المشهد الإعلامي فارغاً أو السماح لجهات غير رسمية بتوجيه الرأي العام، وضمان حرية الإعلام، إذ يجب أن يكون الإعلام السوري الجديد منبراً حراً، لا أداة دعائية، بل مساحة تعبّر عن جميع الآراء دون قيد أو خوف، فضلاً عن أنه يجب أن يلمس المواطن والصحفي على السواء الشفافية في إدارة المرحلة الجديدة، فمن حق الشعب أن يعرف كيف تُدار شؤون الدولة بعد سقوط النظام السابق، ومن حق الإعلاميين تسليط الضوء على جميع الملفات بلا استثناء، ناهيك بالعمل على تحسين أوضاع الصحفيين، من خلال توافر بيئة عمل آمنة ومستقرة للصحفيين، وإبعاد الوزارة عن أي سياسات إقصائية تحد من قدرتهم على أداء واجبهم.
إقرأ أيضاً: كارتر.. رمز العدالة الاجتماعية والسلام
إنَّ الشعب السوري لم يُضحِّ بكل شيء من أجل أن يجد نفسه أمام نسخة مكررة من ممارسات النظام البائد. الإعلام الحر والمستقل هو ركيزة أي ديمقراطية حقيقية، وإن فشلت الحكومة الجديدة في تحقيق ذلك، فستكون قد وضعت أولى لبنات فشلها مبكراً.
السوريون اليوم بحاجة إلى إعلام يعكس صوتهم، وليس إعلاماً يُدار بعقلية الماضي. فهل ستكون وزارة الإعلام السورية على قدر المسؤولية أم ستظل غائبة عن المشهد في وقت يحتاجها فيه الوطن أكثر من أي وقت مضى؟