: آخر تحديث

تضييع المسلمين فائدة حادثة الإفك

2
2
2

بشرى فيصل السباعي

قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ»، فما هو الخير في اتهام السيدة عائشة بعرضها في حادثة الإفك؟ الخير هو أنه ظهرت بها سنّة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع قضية المساس بالشرف والعرض التي بسببها تقتل سنوياً آلاف الإناث من قبل العائلة، حسب تقرير الأمم المتحدة، فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما انتشر خبر الإفك لم يقم بقتل السيدة عائشة كما يفعل بعض الرجال في عصرنا إنما قال لها «أما بعد، يا عائشة، إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه»، البخاري، أي أنه حتى في حال كون الشائعة عن وقوع الفتاة في الفاحشة صحيحة، فالموقف الذي يقتدي بقول النبي عليه الصلاة والسلام هو حث الفتاة على التوبة وليس قتلها، والتوبة ستر بينما القتل نشر للفضيحة، فالاقتداء بسنّة النبي عليه الصلاة والسلام ليس فقط بالأمور السهلة مثل الهيئة، إنما الأهم منها تلك التي تتعلق بالقضايا الكبرى الجوهرية مثل قضايا الشرف، وكل مرة تقتل فيها فتاة باسم الشرف يتم إهدار قيمة تضحية النبي عليه الصلاة والسلام والسيدة عائشة في حادثة الإفك، فهذه التضحية كانت غايتها سن سنّة للتعامل الواجب مع قضايا الشرف، وأيضاً تسن حادثة الإفك سنّة ردة الفعل الواجبة لمن تبلغهم الشائعات عن عرض فتاة «لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ»، أي أن الموقف الصحيح من الشائعات حول العرض والشرف هو افتراض براءة الفتاة والظن بها خيراً والامتناع عن تناقل الشائعات عنها «وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ». وترويج الشائعات عن عرض النساء هو من الكبائر، قال عليه الصلاة والسلام: «اجتنبوا السبع الموبقات... قذف المحصنات الغافلات». وهناك عقوبة شرعية مغلظة لمن يقذف النساء بالتهم التي تمس الشرف «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ». وللأسف أنه مع مواقع التواصل باتت الشائعات عن الأعراض أكثر خطورة من مجرد التناقل الشفهي؛ لأنها تنتشر على أوسع نطاق وتبقى للأبد، وبات محتوى كثير من الحسابات يتحور حول نقل الشائعات عن أعراض الناس، وبات التهديد بنشر الشائعات في مواقع التواصل عن الأعراض نوعاً من الابتزاز، وعديدات انتحرن بسببه، بخاصة مع إمكانية فبركة صور ومقاطع فاضحة، واللوم الأكبر في كل هذه الأحوال يقع على المشايخ الذين لم يبينوا للناس الحكمة والغاية التي من أجلها سمح الله بوقوع حادثة الإفك والسنّة النبوية في التعامل مع قضية المساس بالشرف، ونهيهم عن قتل النساء بسببها، فحادثة الإفك لم تكن لتقع لولا أن الله سمح بوقوعها، وما سمح الله بوقوعها إلا لحكمة أن يقتدي الرجال بالنبي صلى الله عليه وسلم في ردة فعله عليها، ونتيجة غياب الوعظ بتلك الحكمة إما عدم وجود عقاب على قضايا القتل باسم الشرف أو هي أحكام مخففة ورمزية، وهذا مما يشجع على قتل النساء على أتفه شائعة وابتزازهن، وهناك قبول ضمني من المجتمع بقتل النساء في قضايا الشرف واعتباره حقاً للرجل لأنه لم تُغرس في المجتمع سنة النبي عليه الصلاة والسلام في التعامل مع قضية المساس بالشرف وقذف النساء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد