: آخر تحديث

زوابع ترامب وآمال العراقيين

8
8
8

هناك قول مأثور مفاده: سواء اصطدم البيض بالصخر أو الصخر بالبيض، فإنَّ المصير المحتوم لن يتغير، ففي كل الأحوال سيصيب البيض ما يصيبه.

كانت التضحيات كبيرة ومدمرة في سوريا ولبنان بعد مخاض دام سنوات طويلة.

لبنان انتخب رئيسه بعيداً عن لاءات إيران وجناحها المكسور حزب الله ومن يواليه من حركة أمل. اختار الشعب اللبناني طريقه، اختار رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء من نخبة النخبة، بإرادته ومن خارج سياقات التبعية والخنوع السابقة.

إنَّ تغير المناخ السياسي الإقليمي والدولي فرض ظروفاً مناسبة كي تنهض سوريا ولبنان من رحم الخراب والانهيار.

في العراق، ليس لنا من أحد يغير واقعنا بسبب مصالحه. ليس لإسرائيل ولا لأميركا ولا لتركيا أو روسيا أو الصين شأن فينا أو مصلحة ملحة لتغيير الواقع المأساوي، فحسابات البيدر الخاصة بهم لا تأتي على هوانا.

الجنون هو فعل الشيء نفسه وتوقع نتائج مختلفة.

الكثيرون في العراق يتأملون من أميركا دونالد ترامب قرارات مصيرية تغير الواقع وتقلب الموازين في العراق. لقد صدق العراقيون هذه الكذبة في زمن الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، فهل من الجنون تصديقها وانتظارها من أميركا ترامب؟

الجميع يعلم جيداً أنَّ إيران هي صاحبة النفوذ والهيمنة الأكبر والوحيدة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ومالياً وعسكرياً في العراق من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، رغم كل شيء.

إذا لم يتغير النظام السياسي الديني الحاكم في إيران، فسيبقى نفوذها مستمراً في العراق كما هو عليه.

ترامب في حقيقته تاجر، هدفه الربح وتحقيق المكاسب. ونظراً لعوامل القوة والنفوذ التي يمتلكها كرئيس لأميركا، فهو يعلم جيداً أنَّ نظام الملالي، الذي فرضته أميركا والغرب في المنطقة عام 1979 وكرسته كحاكم مطلق في العراق بعد 2003، كان سبباً في مكاسب واستثمارات كبيرة لأميركا في ولايته الأولى، باعتباره تهديداً وجودياً لأمن جوارها العربي وفزاعة للمزيد من الابتزاز السياسي والمالي مستقبلاً.

إنَّ سياسة تغيير الوجوه وتبادل الأدوار تتقنها إيران جيداً في المنطقة، كما تتقنها أميركا وتلعبها في المنطقة وحول العالم.

غداً سيستعيد ترامب كرسيه في البيت الأبيض، مسبوقاً بتهديداته التي أطلقها تجاه الجميع. فهو يريد شراء والسيطرة على أكبر جزر العالم، غرينلاند، من الدنمارك لتعزيز أمنه القومي. ويريد ضم كندا، ثاني أكبر بلد مساحة في العالم بعد روسيا، وجعلها ولاية أميركية. ويريد إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، ويريد إعادة السيطرة والاستحواذ على قناة بنما، التي هي تحت الإدارة والنفوذ الصيني حالياً. ويريد زيادة النفوذ الأميركي في دول أميركا الجنوبية للحد من تزايد النفوذ الصيني فيها، حيث أصبحت الصين تمتلك وتدير أكثر من أربعين ميناء بحرياً مختلفاً هناك. ويريد فرض تعرفة جمركية عالية على كل الواردات الأميركية من العالم الخارجي، والتي تمثل ضربة كبيرة للصين كأكبر مصدر للبضائع والتكنولوجيا حول العالم.

كلّ هذه التحديات تجعل الصراع القادم بين الصين وأميركا على أشده على مناطق ومراكز الثروات والنفوذ وممرات التجارة العالمية، والأخيرة هي الأخطر والأهم من بين كل ذلك، وتجعل الأثمان لتحقيق كل تلك الرغبات مطروحة على طاولة المفاوضات بين الأطراف الفاعلة في كل ملف منها، فلا شيء يتحقق بالمجان.

هذا الصراع يضاف إلى التعاون الاستراتيجي بين إيران والصين اقتصادياً وحتى عسكرياً، فمن المعلوم أن الصين كانت وما تزال المورد الرئيسي للكثير من المواد التي تدخل في صناعات إيران العسكرية، والتي تساهم في إنتاج الطائرات المسيرة ومنظومات الصواريخ. كما أن الصين خسرت في سوريا طريقاً مهماً للتجارة عبر إيران وسوريا إلى البحر المتوسط، وهي غير مستعدة لخسارة المزيد في هذه المنطقة، التي تتمتع بموقع جيوسياسي مهم وخطير.

بالإضافة إلى أنَّ الصين تستورد 20 بالمئة من احتياجاتها من مصادر الطاقة الإيرانية.

من الصعب التسليم بأنَّ الصين مستعدة لخسارة شراكتها الاقتصادية والاستراتيجية مع إيران لصالح أميركا والغرب بسهولة، وبعد كل التوتر الحاصل بينهم، وخصوصاً بعد الأحداث الأخيرة في سوريا.

إقرأ أيضاً: من دمشق الطريق إلى بغداد

لقد هرولت إيران وبسرعة قبل يومين للتوقيع على معاهدة الشراكة الاستراتيجية بينها وبين روسيا، التي ظلت حبيسة الأدراج سنوات طويلة.

كل هذه العوامل مجتمعة لا تؤدي من ناحية تحليلية بحتة إلى نتيجة مؤداها سهولة القضاء على النظام في إيران.

عاشت إيران، ومنذ قيام الثورة الإسلامية فيها عام 1979، على سياسة حافة الهاوية وباتت تتقن اللعب عليها.

نعم، خسرت إيران مشروع الحزام الشيعي، ولكنه في النهاية مجرد واحد من مشاريعها. وفي عالم الاقتصاد السياسي، المشاريع تتقدم لتنجح أو تتعثر لتفشل من خلال مبدأ ونظرية الربح والخسارة.

ولكنَّ إيران ما زالت قوة إقليمية في مركز الصراع بين روسيا والصين من جهة، وبين أميركا والغرب من جهة ثانية، ولكل من جناحي المعادلة مصالح استراتيجية مهمة مع الجمهورية الإسلامية في إيران.

الحقيقة الكبرى الماثلة أمامنا هي الشراكة الاستراتيجية بين أميركا وإيران في العراق، التي لن تنتهي أو تتأثر بحركات المد والجزر المفتعلة أو الطبيعية.

لن يكون هناك انقلاب غربي على الثورة الإسلامية لتغيير النظام فيها، فهي رقم صعب وكبير في حسابات العالم الخاصة بالشرق الأوسط والإقليم.

إقرأ أيضاً: ما تبقى من الهلال الشيعي.. إلى بغداد خذوني معكم!

عهد الحروب والأساطيل والغزو قد ولى زمانه، وهذه حقيقة تعلمها إيران جيداً وتبني عليها. ولكن حتماً سيكون هناك تغيير للوجوه وتبادل للأدوار لتصحيح مسار الشراكة بين الطرفين، التي هي أصل الخلاف الظاهر.

تهديدات ترامب وآمال العراقيين في التغيير لن تكون سوى زوابع في فنجان ستطيح ببعض الرؤوس والرموز لامتصاص النقمة وتخدير الناس.

ليس من مصلحة العالم، شرقاً وغرباً، نهاية نظام الملالي، فموسم الجباية قادم ويبشر بحصيلة خرافية من الأتاوات الواجبة الدفع، وليصبح التطبيع ضرورة حتمية وشر لا بد منه للجميع دونما استثناء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف